يقدّم الكاتبان الصحفيان عبدالسلام المنيف وأ.د. فهد مطلق العتيبي وجهتي نظر مختلفتين تمامًا فيما يتعلق بالدراسة في رمضان للطلاب والمعلمين، فيرى "المنيف" أنها صعبة؛ بسبب الصيام، مطالبًا بوضع الشهر الكريم خارج العام الدراسي بعد مراجعة التقويم والإجازات، أما العتيبي فيرفض منح إجازة دراسية في رمضان، مؤكدًا أنها عمل وعبادة، ومصنفًا المنادين بعدم الدراسة في رمضان إلى ثلاثة أقسام.
وفي مقاله "رمضان كريم يا وزارة التعليم!" بصحيفة "مكة المكرمة"، يقول "المنيف": "على الرغم من عدم وجود مانع شرعي ولا نظامي معقد عن الدراسة في رمضان، وبالتحديد نهارًا، فلا يختلف اثنان كذلك -معلم وطالب- على أنها تشكل عائقًا بشكل أو بآخر بالنسبة لهم، وتمنعهم من أن يستوعبوا ممارسة العملية التعليمية كما ينبغي، وبشكلها السليم، والتي تحرص وزارة التعليم بدورها على جودة مخرجاتها من تلك العملية وأداء المعلمين والطلاب نحوها".
ويطالب "المنيف" بوضع شهر رمضان خارج الدراسة، ويقول: "الجميع يعي وعلى رأسهم الوزارة أن الدراسة في رمضان يجب النظر فيها، ووضع حلول جذرية لمعالجتها بدلًا من معاودة الأسطوانة في كل عام، والحل المرن لمجرد الحل، أو أن يبقى الشهر خارج العام الدراسي بعد مراجعة التقويم واستقطاعها من بعض الإجازات الكثيرة والمتفرقة على العام، وهي الأسلم والأخف على قلوب وظروف المعنيين بالأمر، من طلاب، وأولياء أمور، ومعلمين".
ويضيف "المنيف" قائلًا: "بالنظر للجهة الأخرى ومن الناحية الأهم، نجد أن المعلمين وحتى المعلمات يصعب عليهم التوفيق بين الوظيفة ووظيفة الأسرة وواجباتها خلال هذا الشهر، لا سيما من يعمل خارج المدن والمحافظات، مع الأخذ بالأسباب بجميع الظروف التي قد تعطل من وصولهم بعد انتهاء الدوام حتى قرب موعد أذان المغرب أو أذانه".
وينهي الكاتب قائلًا: "ينبغي أن نراعي أن رمضان كريم يا وزارة التعليم، وأن مرونة التقويم الدراسي لأجل مراعاة المصالح وتحقيق المقاصد منهج يجب أن تسير عليه الوزارة لرفع الحرج، بدلًا من التمسك بجدوى وجوب الدراسة في رمضان، وتناسي أن جودة الحياة أصبحت مطلبًا لتحقيقها؛ تماشيًا مع رؤية 2030".
وفي مقاله "قيمة الدراسة في رمضان" بصحيفة "الرياض"، يرصد "العتيبي" أصواتًا تطالب بإجازة مدارس في رمضان، ويقول: "الأسبوع القادم يحل علينا شهر رمضان المبارك، ويتزامن رمضان في هذه السنة والسنوات القادمة مع الدراسة، وفي كل مرة يأتي رمضان في أيام الدراسة تتعالى بعض الأصوات مطالبة بألا تكون هناك دراسة في هذا الشهر بحجة التفرغ للعبادة، بل قد يصل الأمر إلى تصوير الدراسة في رمضان بأنها تعدٍّ على حقوق الناس".
ويعلق "العتيبي" قائلًا: "هنا لا بد لنا من تفكيك مثل هذا الخطاب وفق العديد من المستويات.. فعلى المستوى الأول لا بد لنا من تحرير العلاقة بين "العمل" و"الدراسة"، ثم على المستوى الثاني أن نحرر العلاقة بين "العمل" و"العبادة"، ثم أخيراً أن نتحدث عن "الدراسة" و"رمضان"، فهل "الدراسة" بصفتها مهنة للطالب والمعلم داخلة في نطاق "العمل" أم إنها نشاط مختلف خارج سياق العمل بمفهومه المعتاد (تقديم خدمة بمقابل مادي).. الحقيقة أن الدراسة هي مهنة الطالب ومهنة المعلم، وهي عمل لا يختلف عن أي عمل آخر كالعمل في مجال الطب، والهندسة، والعمل في القطاع العسكري... إلخ. حيث يقوم العاملون في جميع هذه الأعمال بتقديم خدماتهم ويحصلون من الدولة -حفظها الله- على رواتبهم".
ويضيف الكاتب: "هذا ينقلنا إلى المستوى الثاني من تفكيك الخطاب، وهو العلاقة بين "العمل" و"العبادة" في الإسلام؛ فهل "العمل" ينافي "العبادة"؟ العبادة والعمل في الإسلام مفهومان لا يفترقان وقيمتان متلازمتان، فالعبادة هي الهدف الأسمى من خلق الإنسان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، والعمل عبادة؛ لأنه ضرورة لتوفير معاش من يعبد الله، ولأنه كذلك يحقق معنى الاستخلاف في الأرض الذي هو الغاية أيضا من خلق الإنسان، قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}، وفي آيات كثيرة تم الربط بين العمل والعبادة ومن ذلك قوله تعالى: {فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ولم يُروَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ترك العمل في رمضان من أجل التفرغ للعبادة، بل كان عبدالله بن عباس يقطع الاعتكاف في رمضان ليقضي حوائج الناس، ولما سئل عن ذلك قال: "هكذا كان يفعل رسول الله"، وهذا يعني أن العمل عبادة".
ويرصد "العتيبي" ثلاثة أصناف من المنادين بعدم الدراسة في رمضان، ويقول: "يبقى السؤال: إذا كانت "الدراسة" "عملًا"، و"العمل عبادة"، فلماذا يتم التركيز على المطالبة بعدم الدراسة فقط في رمضان؛ بحجة التفرغ للعبادة دون بقية الأعمال؟ الجواب يأتي هنا على ثلاثة أقسام طبقاً لأصناف المنادين بعدم الدراسة في رمضان، فهناك من اعتاد في السنوات الماضية عدم دراسة أولاده في رمضان، ويجد الدراسة بعد هذا التعود أمرًا صعبًا عليه من الناحية النفسية، وهناك من ربما نسي قيمة العمل (الدراسة) في رمضان، وأن هذا الشهر هو شهر العمل والعبادة، شهر عمارة الدنيا والآخرة، بل قد يكون غير مدرك لمقاصد شهر رمضان، فنجده ينظر لشهر رمضان كشهر تكاسل واسترخاء وسهر، وبالتالي يصعب عليه وعلى أبنائه الدراسة في رمضان.. أما القسم الثالث فهو لم يدرك الهدف من زيادة أيام الدراسة في السنة، وأنها جاءت تحقيقاً لتطلعات ولاة الأمر -يحفظهم الله- في تطوير نظامنا التعليمي، ومستهدفات رؤية 2030 بجعل الطالب السعودي قادرًا على المنافسة العالمية، وهو الأمر الذي يتطلب الكثير من الإصلاحات في نظامنا التعليمي وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية".
وينهي "العتيبي" قائلًا: "إن وطننا -ولله الحمد- يحقق قفزات تطويرية على كل الصّعُد، ومن ذلك ما يحدث في تعليمنا اليوم، وواجبنا دفع أبنائنا نحو التميز من خلال تعزيز قيمة الدراسة (العمل) في رمضان، وهي من قيمنا الوطنية والإسلامية الأصلية، وتشجيعهم على مضاعفة الجهد، ويبقى شهر رمضان شهر الخير والبركة، شهر نصوم فيه، ونعمل فيه، وندرس فيه، كما يعمل فيه الأطباء، والمهندسون، ويذود عن حدود الوطن فيه رجال أمننا الأشاوس".