
في وسط تزايد أساليب المفاخرة والمباهاة داخل مجتمعنا السعودي، أثارت بعض المواقف التي نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً استياءً واسعاً على الأصعدة كافة، فهذا أب يدّعي ذبح ابنه إكراماً لضيوفه، في مشهدٍ من مشاهد كثيرة نقلتها عدسات المواطنين لتصوير واقع يلعبه كثيرون من ضعاف النفوس "المهايطة"؛ حيث أكّد متخصّصون أن هؤلاء المهايطة والمواقع الناشرة لهرائهم يستحقون المحاكمة لما تسبّبه هذه المناظر من أذى للفقراء.
كسر لنفوس الفقراء
استنكر الداعية بالشؤون الإسلامية والمستشار بلجنة تراحم القصيم؛ محمد الغضيه، مظاهر البذخ والمبالغة ووصفها بالإسراف الذي نهى عنه ديننا الحنيف، مشيراً إلى أن ذلك فيه كسر لنفوس الفقراء؛ ما يجعله يشعر بالحقد تجاه المسرف والإحساس بالضيق والانكسار.
معاقبة السفهاء
ورأى "الغضيه"، ضرورة معاقبة كل مَن يتلاعب بالأموال كونه سفيهاً عند العلماء؛ حيث ذكر العلماء أن الكبير يحجر عليه مثلما يحجر على الصغير في حالة الإسراف أو التلاعب بالمال، ويحق للمسؤولين مصادرة أموال المتلاعبين بهذه النعم، كنوع من أنواع العقاب أو سجنه وتغريمه، خاصة في حال التصوير مثل هذه المواقف ونشرها والتباهي بها، مؤكداً الدور الذي تلعبه المساجد في تذكير الناس ووعظهم لرفض هذه الظواهر والحد من انتشارها.
تصوير وولائم مزيّفة
يرى المستشار بإمارة المنطقة الشرقية؛ الدكتور غازي الشمري، أن الناس بين طرفَي نقيض إما بخل وشح مزعج أو كرم كذاب المقصود به الرياء، ويقول "الشمري": "لا أمنع الكرم المبالغ فيه إذا تمّ التنسيق مع الجمعيات الخيرية والفقراء؛ لأنه رزق ساقه الله لهم؛ لكن المحزن التصوير وعدم مراعاة مشاعر الآخرين"، مضيفاً: "هذه ثقافة تبدأ من البيت فربما الأم أو الاب أو الأولاد يتساهلون بتصوير ما يأكلون بتبجح بغيض، وهنا يأتي دور العلماء والخطباء والإعلام لتوعية الناس، ويبدو أن الجميع بدأ يبغض هذه الصور والولائم المزيّفة!".
محاربة البذخ
وصف الباحث والمستشار الاجتماعي؛ خالد البيشي، الأساليب التي تناقلها البعض بمنتهى الغرابة قائلاً: "نرى ونسمع بشتى وسائل التواصل الاجتماعي مظاهر غريبة على مجتمعنا ولم نعتدها كمَن يجعل ضيوفه يغتسلون بأجود أنواع الأطياب الفاخرة، أو مَن يتباهى بنثر أكياس الهيل في صدور المجالس وغيرها وهو ما نسميه بـ "الهياط".
مَن المسؤول؟
وتساءل "البيشي"، عن الدور الحقيقي الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في انتشار مثل هذه الظواهرّ، مشيراً إلى أن هذه المواقع لا تتحمل المسؤولية منفردة؛ لأن المسؤولية أولاً وأخيراً هي مسؤولية الفرد نفسه، يليها عدم نشر الوعي من قِبل المنابر الدينية والمؤسسات التربوية، مؤكداً ضرورة الوقوف جدياً من جميع الجهات المسؤولة لمحاربة مثل هذه الظواهر بأسلوب منطقي ومقبول للمجتمع، إضافة إلى تفعيل دور الحوار البناء.
نفاق وتزلف
وفي هذا الجانب، قال الباحث في الشأن النفسي والاجتماعي؛ الدكتور أحمد الحريري، لـ "سبق": "إن ما آل إليه البعض من هذه المظاهر التي تعدّت اللباقة والقبول الاجتماعي وصلت إلى مستوى النفاق والتزلف والسلوك غير المقبول والمرفوض في المجتمعات الإنسانية والمتحضرة الواعية".
نقص وخلل نفسي
وأردف: "مَن يقوم بمثل هذه التصرفات يدل على النقص والقصور النفسي والتعويض المفرط على حساب إنكار النعم وعدم مراعاة مشاعر أصحاب الفاقة والحاجة، منوّهاً إلى أن هذه التصرفات تشير إلى حالة انفعالية غير منضبطة لدى المبالغين في مظاهر الإكرام إضافة إلى السلوك غير السوي الذي يدل على حالة من الجهل الديني والثقافي وانخفاض مستوى الوعي المدني والحضاري.
رجال الحسبة
ووصف "الحريري" هذه السلوكيات، بأنها تصرفات فردية لا تنم عن سلوك مسلم مستقيم أو إنسان صحيح نفسياً، منوّهاً إلى دور رجال الحسبة في إنكار هذه المنكرات ومحاربتها ودور البلديات في مراقبة مظاهر الإسراف وإهدار النعم ومعاقبة وتجريم مَن يرتكب مثل هذه التصرفات.
الإعلام والطائشون
أكّدت الكاتبة والإعلامية منيرة آل سليمان، أهمية الإعلام ودوره الإيجابي في محاربة هذه الظواهر وغيرها مما يستجد على مجتمعنا الذي يتم التجاهر به والاستعراض بهدف الشهرة والصيت، متناسين أن بعض مظاهر التفاخر المتداولة ليست حرية؛ بل تصرفات طائشة تحتم النظر إليها ومعالجتها لحماية المجتمع وأفكار النشء منها.