ظل الاتحاد السوفييتي سنوات يحلم بالوصول للمياه الدافئة للتسابق مع المعسكر الغربي بالسيطرة على الخليج العربي وبتروله، لكنه في عام 78م بدأ بخطوة عملية؛ إذ دخل أفغانستان لدعم الحكومة الشيوعية.. وهي مهمة لن تستغرق ساعات؛ فقبل عشر سنوات (68م) دخلت القوات السوفييتية تشيكوسلوفاكيا في ساعتين، وغيَّرت نظام الحكم الذي اختار منهجًا شيوعيًّا شعبويًّا ديمقراطيًّا بفكر ماركس وأنجلز بدلاً من دكتاتورية لينين وستالين، وأعادت الشيوعيين اللينيين، وعادت لبلادها، وكذا ستمر ساعات لتثبيت الحكم في أفغانستان، ثم المضي نحو بحار الخليج الدافئة، ومن سيقف في وجه أقوى جيش في العالم في ظل حكومة أمريكية ديمقراطية مترددة؟
هذه المرة لن تفلت السعودية والسعوديون من قبضة وغضبة السوفييت. هكذا قال شيوعيو العالم، ولاسيما العرب منهم، وباتت نهاية الخليج والسعودية وشيكة؛ فالشيوعية بدولها سادت العالم اليوم.
فيقع الدب السوفييتي في مصيدة أفغانستان في ظل حكومة جديدة أمريكية جمهورية قوية، ويبقى عشر سنوات، فكَّكت جمهوريته، وأنهت نظريته الشيوعية، وتتكسر دوله تباعًا، ويُحظَر الحزب الشيوعي في مقره بروسيا. أما السعودية والسعوديون فعادوا أقوى وأغنى، فودَّعوا الشيوعية كما ودَّعوا الناصرية قبلها.
بعد عام من الدخول السوفييتي لأفغانستان (عام 79م) يثور الشعب الإيراني على الشاة، وتنجح ثورة الشعب الإيراني.. لكن الخميني ينقلب على الثورة، ويعلق المشانق لرفقاء الثورة، ثم يعلن نفسه نائبًا عن الإمام المنتظر، بما يسمى "ولاية الفقيه"؛ لينقلب على علماء الشيعة الذين عارضوه، فيفرقهم بين قتيل وسجين وطريد.
هذه الدولة التي بدأت بخيانة لشعبها وثورته.. جعلت العرب عدوَّها الأول. وعلى رأس العرب السعودية والسعوديون.. وسعت لزعزعة الوطن العربي كله، ودخلت حربًا طويلة مع العراق، وكوَّنت أحزابًا عسكرية في أكثر من وطن عربي، وحتى الحج لم يسلم من المؤامرات الخمينية سعيًا لإنهاء السعودية والسعوديين. والعجيب أن بعض الأحزاب القومية العربية والإسلامية تبنت الموقف الشعوبي الخميني الإيراني، وبشرت بسيطرة خمينية على الخليج سعيًا لتحرير فلسطين ومقاومة العدوان الأمريكي.. وبعد أكثر من ثلاثين سنة قتل الخميني وحزبه مئات الألوف من الإيرانيين والعرب، ليس منهم إسرائيلي أو أمريكي واحد! إنها نكتة سخيفة، اسمها "الموت لأمريكا" و"الشيطان الأكبر".
بعد عقود العداء والتهديد بمحو السعودية، واحتلال مكة والمدينة.. تعيش إيران حالة من الفقر والقهر والسجون، فلا رأينا من تهديداتها إلا هروبًا من مشكلاتها الداخلية.
لم يمضِ عام على انقلاب الخميني على ثورة إيران حتى دخلت مجموعة مسلحة من الغوغاء إلى الحرم بقيادة عسكري سابق اسمه "جهيمان"، يدعي أن معه المهدي المنتظر، ويطلب مبايعته عند الكعبة، ويدعو للقتال، وذلك في اليوم الأول من عام 1400هـ.
ضجّت جوقة العداء من دول وأحزاب وأفراد بأن هذه المعركة الأخيرة للسعودية، وهذه ثورة دينية، تنطلق من الحرم المكي، ولن تقف ولن تهدأ.. حرب طويلة، منهكة جدًّا.. وبدأت تحليلات الصحف والمجلات بأن السعودية وشعبها تدخل نفقًا مظلمًا، ربما يستمر سنوات.. وبعد أسبوعَيْن تنتهي القضية تمامًا، ويستسلم كل من في الحرم، ولم يكتمل شهر حتى صار "جهيمان وربعه" خبرًا من الماضي. (يتبع)