في منتصف الثمانينيات تهاوت أسعار النفط حتى وصل برميل البترول إلى 8 دولارات لأسباب عديدة، أهمها التباطؤ الاقتصادي في العالم، والإذن بالتنقيب عن البترول من الكونغرس الأمريكي، والنجاح المتوقع لأبحاث الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية.. هرول اقتصاديون محذرين بأن البترول سيعود للأسعار ما قبل السبعينيات بالسنتات بدلاً من الدولارات.. محللون سياسيون قالوا: أمريكا تخطط منذ قطع البترول 73م لإنهاء تحكم السعودية في البترول، وتعمل لتفكيك "أوبك".. ولن تحتمل السعودية بترولاً بالسنتات؛ لذا "انتهت السعودية والسعوديون".
مضى عامان أو ثلاثة، وعادت الأسعار متصاعدة حتى تجاوزت العشرين دولارًا، وخابت نظرة الاقتصاديين والتحليلات السياسية التي قدمت العاطفة والتمني على العقل والتوقع، وعادت مسيرة الاقتصاد السعودي متصاعدة مع استقرار سياسي وأمني لافت.
في الثاني من آب 1990م دخلت القوات العراقية الكويت بعد خلافات بسيطة على حقول الرميلة، وأعلنت الحكومة العراقية ضم الكويت للعراق للأبد، وعيَّنت محافظًا عسكريًّا عليها.
أصبح العرب أقسامًا.. منهم سياسيون ومثقفون وشعوب، فرحوا وهللوا لهذا الاحتلال، وخرجوا يرددون "يا صدام يا صدام.. من الكويت للدمام".. ومفكرون يبررون الاحتلال بأنه لصالح الأمة العربية، واقتصاديون بسذاجة يرون أن العراق سيقوم بتوزيع بترول الخليج على العرب جميعًا.. محللون سياسيون قالوا: إن أمريكا تريد دولة بترولية واحدة؛ لتتعامل معها مستغلة الوضع المنهار للاتحاد السوفييتي سياسيًّا واقتصاديًّا؛ لذلك جاءت لتأمين هذا الاحتلال، وليس لحربه. كل هذه التهليلات والتحليلات والمواقف الفكرية والثقافية والسياسية تجمعها أن دول الخليج والسعودية ستختفي خلال أشهر وستنتهي.. فغالبها تابع للعراق، والباقي بين الأردن واليمن.
خمسة أشهر فقط كانت كفيلة بإنهاء الأحلام والأماني.. وعادت الكويت لأهلها، واستمرت السعودية والسعوديون.. ليلحق حزب البعث وفروعه بالأحزاب الناصرية نسيًا منسيًّا.
الأحداث السينمائية الهائلة في منهاتن 11/ 9/ 2001م بسقوط برجَيْ التجارة، وأخرى كانت متجهة للبنتاغون، لم يجدها أحد حتى اليوم..!
الحكومة الأمريكية الجمهورية الجديدة (وهي مجموعة من تجار البترول والسلاح والأدوية مطعمة برجال دين يؤمنون بالعهد القديم) أعلنت أن منظمة القاعدة وراء الأحداث، وأن حربًا دينية يجب أن تبدأ، وأن العالم فيه محور للشر، يجب على أمريكا وحلفائها (محور الخير) أن يحاربوه حتى النهاية، وأن من ليس مع أمريكا فإنه ضدها.. وأن هناك 61 دولة يجب أن تتغير ولو عسكريًّا.. لهذه الأحداث السينمائية أبطال، عددهم 19، ولكن 15 منهم سعوديون، وكثير منهم قُتل منذ سنوات في مناطق النزاع، وبعض الأسماء لا يعرفها أحد.. ورغم انصهار الحديد وسائر المعادن في المنطقة إلا أن الجواز السعودي قاوم هذا الحريق.. بحسب الـ FBI!!
أيام معدودة كانت كافية باتهام غالب النخب التجارية والمسؤولين في السعودية بدعم الإرهاب.. إذًا انتهت السعودية لا محالة.. أمريكا غاضبة، والعالم سيعذرها، والحكومة الأمريكية صقور، والثقافة الأمريكية تؤمن بروح الانتقام مهما تضاعف، والمتربصون ينتظرون ويهددون، بل قسَّموا السعودية إلى دول عدة..!
ثلاثة أشهر وسقطت حكومة طالبان بأفغانستان.. ليحكمها حكومة ائتلاف بين القبائل والأحزاب المقاتلة ضد الروس بقيادة رجل أمريكا قرضاي.. ثلاث سنوات وسقطت الحكومة العراقية لتتشكل حكومة تجمع حلفاء إيران مع حلفاء أمريكا؛ ليحكم العراق أعداؤه.. ويتحول العراق إلى دولة الطوائف المتناحرة.. وتنتهي ولاية حكومة تجار السلاح الجمهورية، ويُجدَّد لها سعيًا للخروج بأقل الخسائر من مغامرة الحروب العشوائية.
لكن ماذا عن السعودية والسعوديين..؟ عاشوا في سلم ورغد واستقرار، وظل المتربصون يلطمون، ولكن الذي انتهى دبليو بوش وديك تشيني ورايس ورامسفيلد وبريمر بعد ثماني سنوات قاتمة على أمريكا وعلى العالم، بدأت بفيلم سينمائي وحروب دموية، وانتهت بأزمة اقتصادية كادت تعصف بالعالم. (يتبع)