"عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ".. أحياناً ما تتردد تلك الأبيات من قصيدة الشاعر أبو الطيب المتنبي على مسامعنا في مطلع العيدين الفطر والأضحى، ولكن لعل بعضنا لا يعلم لم كتبها الشاعر الكبير، وما مناسبة إلقائها.
فالشاعر الذي ولد في الكوفة في محلةٍ تُسمى (كندة)، في عام ٣٠٣ﻫ/٩١٥م، كان ميالاً إلى مجالسة الملوك والأمراء، وكان ضيفهم الدائم أينما حل ونزل؛ وذلك لبراعته في الشعر، فكان شِعره وساطته لدى الملوك، فيقول مادحاً ليرتفع منزلةً، ويهجو عندما تسوء العلاقة.
لكن المتنبي كان يطمح لأكثر من مجالسة الملوك، فقد ميالاً للسلطة والجاه، يطمع في أن ينال شيئاً من الولاية والإمارة، إلا أنه لم يحصل أبداً على مبتغاه، فعاش متنقلاً من قصر لآخر، لا ينال أكثر من عطايا وهدايا الملوك على شعره ومدحه لهم.
ولعل ذلك سبب الجفوة التي أصابت علاقته بسيف الدولة الحمداني الذي كان يحكم جزءاً من الشام، فعلى الرغم من كم القصائد والمدح التي ألقاها على مسامع "الحمداني" إلا أنه اضطر لمغادرة الشام التي نشأ فيها، وارتحل إلى مصر الكنانة، حيث كان يحكمها واحداً من أكثر الحكام دهاءً وهو كافور الإخشيدي.
وعلى الرغم من البداية الجيدة في العلاقة بين المتنبي والإخشيدي، وقصائد المدح التي انهالت على حاكم مصر، إلا أنه سرعان ما انتهت العلاقة على عكس المتوقع، فقد دخل المتنبي على كافور طالباً للسلطة والجاه، لكن كافوراً كان حكيماً، مرهوب الجانب، فلم يستجب لمطالبه ومآربه.
لم يجد المتنبي مبتغاه لدى كافور، فقد كان للشاعر الشهير عند كافور مقاصد غير المكوث في قصره، وتلقي العطايا العينية، فلما بدا له أنه لن ينال منها شيء، بدأ الجفاء بينهما، فكتب يهجوه في قصيدة "بأية حال عدت يا عيد".
ونظم المتني تلك القصيدة من 30 بيتاً قبل رحيله عن مصر بيوم واحد، وذلك في يوم عرفة عام 350هـ، قُبيل عيد الأضحى المبارك، تعبيراً عن حزنه، وانتظاره أن يحمل له العيد أخباراً سارة، ولقاء الأحبة بعد فراق دام لعام فترة مكوثه في مصر، وأيضاً تحمل الأبيات هجاءً لحاكم مصر كافور الإخشيدي، بعدما لم يجد لديه مبتغاه في الوصول إلى السلطة والجاه.