بثنا المباشر أخطر علينا!!

بثنا المباشر أخطر علينا!!

(خطر البث المباشر) جملة ترددت قبل سنوات، صاحت بها حناجر كثيرة مشفقة، ولوحت سبابات محذرة مرتبكة، وذرفت الدموع والمخاوف من عواقبها وهي تحكي ذلك الخطر الداهم المرتبط بها، وتقص تغييرًا سيكون، وإعلامًا سيعصف بما قبله، وسيكون أشد منه وأقسى تأثيرًا، وأسوأ عاقبة؛ إذ سيطل العالم بمفاسده على بيوتنا! ويبث سمومه في عقول شبابنا، وتنبت أجيال فاقدة هويتها، تمشي مشية الغراب.. هكذا ارتعد الناس وقتها، وترقبوا هذا المارد الخطر، وعلى أية هيئة سيكون، ومن أي باب سينفذ إلى بيوتهم؟ كان الوصف مدهشًا وباعثًا على الترقب والخوف، ومثيرًا للحد الذي جعل الكثيرين يرفضون الحدث قبل أن يبدأ! والناس يتصورون الأخطار التي شرحت لهم، وكيف ستدخل القنوات لبيوتهم عنوة، وتصبح شاشة التلفاز مستباحة لمن هب ودب؛ ليعرض بضاعته الرخيص منها والجيد، حتى ظهر في شكل صحون لاقطة، تعتلي سطوح المنازل، أو تتوارى خلف جدرانها!!

وما أشد ما حذر من "الكفار" الذين سيسعون لإفساد المسلمين، وقد وجدوها فرصة للانتقام من الإسلام! وأكاد أجزم أن لا أحد توقع أن يكون الحال (برغم المخاوف) كما هي عليه الآن. وأعتقد أن العقلاء من جيل اليوم أو الغد لو سمعوا تحذيرات الأمس لقالوا إنهم كانوا متلطفون جدًّا في التحذير، وقصروا كثيرًا في واجبهم، ولم يستطيعوا أن يلموا بالخطر كله، وكان بعيدًا عن تصورهم! حين جاء الخطر منا نحن المسلمين أكثر من غيرنا الذين حذروا منهم كثيرًا.

فما إن انتصبت الدشوش، وبانت بعد التواري (المنافق)، وبرزت للعلن، وسَلِمت من بعض من كان يقذفها، وصارت عادية جدًّا كما هو حالنا! حتى تسابق أثرياؤنا لخوض هذا المجال الشهي سريع الكسب؛ فنثروا أموالهم، ونصبوا قنواتهم، وأشرعوا جيوبهم، ودارت رؤوسهم؛ لتتلقى المزيد؛ فسمحوا لأفكار الغرب والشرق الفاسدة بأن تنفذ لبيوتنا وعقولنا بأفلام وبرامج، الكثير منها لا يمثلنا، وينافي ديننا وأخلاقنا، واستقطبوا من احترف كل ذلك، وتشكَّلت جهودهم وأهدافهم كافة حول أفكارهم وحرياتهم المفرطة؛ فخدشت حياء الشاشة الفضية، وحطمت حواجز الرقابة ومقصاتها التي كانت تحفظ بعض الذوق العام وأخلاقه الحميدة المفترضة! وقد ذابوا في همّ الكسب المادي والشهرة الزائفة، واجتذاب المشاهد البسيط، واستنسخوا مشاريع الفساد، وصنعوها بطريقة العارف بنفسياتنا؛ لأنهم منا، ويعيشون بيننا؛ فعرّبوها بشكل جعلها أكثر تأثيرًا، وقسّموا قنواتهم، كل فيما يخصه من الهدم والشر!! فبين مسلسلات وأغانٍ ومسابقات ورياضة وسياسة، وكل ما يخطر على البال من المواضيع والأفكار التي تهدم ولا تبني، وتطعن في الخاصرة وخلف الظهر! وتثير الخصومات أيضًا.. لوثوا الفضاء تمامًا، وطنت المغريات أكثر وأكثر!

ما أكثر من سيقول كلامك مكرور، ونعرفه حق المعرفة، ولم تأت بجديد؟؟ وما أكثر من قال ذلك وكتب وردد.. لكن ما الحل؟ ما الحل معهم ونحن مرة نتحسب عليهم، ومرة ندعو عليهم؟ وهل سنستمر في هذا الاستسلام لتلقي الفضاء الفاسد دون أن نطالب بمحاسبة من يقترف ذلك؟ وهناك شباب وأجيال تتلقى بشغف، وتبني قيمها وأخلاقها وأفكارها كل يوم وكل دقيقة، وأكثر ما يؤثر فيهم تلك القنوات وساحاتها المشرعة لهم بلا رقابة؟ إذ تعاظمت ثقافة اللهو والميوعة، وتسللت بدون أن نشعر مصائب لم تكن من قبل.. لن أتحدث عن الشعب النقي الذي كان! ولا عن الشعب الملوث الذي صار؛ فكل له سيئاته وحسناته، لكن نخشى المزيد من الانحدار، فكيف نوقف صناعة الإعلام الفاسد؟ وها نحن نقضم شفاهنا بعد كل تلك السنوات من ركض القنوات الحرة بلا رقابة ومحاسبة، وقد بانت النتائج مخيفة ومناقضة لكل أمل نتمناه، ولا يزال للتلفاز سيطرته التي لم تخفت رغم ظهور وسائل التواصل المتعددة.

يا من تملكون تلك القنوات، وتصنعون المفاسد وتقدمونها لهذا الجيل المسكين، ألا تخافون من ربكم؟؟

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org