لم يكن الشعب السعودي أكثر تفاؤلاً منه اليوم بمستقبل وطنه بعد إعلان رؤية السعودية ٢٠٣٠ وخطط وبرامج التحول الوطني، التي أسهب في شرحها الوزراء الأفاضل والحملات الإعلانية المصاحبة. مَن يتمعن في هذه الخطط والبرامج يجدها مصممة طبقًا للواقع تمامًا، ومقيدة بمؤشرات أداء، وليست أحلامًا وتمنيات تنفخها المانشتات الإعلامية، لا تمكث طويلاً حتى تتبخر، وينسى الناس ما كان سيكون.
زيارة أمير الشباب ولي ولي العهد محمد بن سلمان الأخيرة لأمريكا أثارت اهتمامي الشخصي، وبالتأكيد اهتمام رواد الأعمال السعوديين؛ بسبب نوعية اللقاءات التي عقدها هناك. أقولها وبكل صراحة: لم أستطع نشر مقالي هذا إلى أن تم إعلان نهاية الزيارة؛ لأنني كل يوم أرى خبرًا عن لقاء، أو توقيعًا لاتفاقيات وتفاهمات جديدة، تقودني كل مرة إلى التغيير والتعديل عليه بسبب البعد الإيجابي الجديد الذي يظهر لي كل يوم من أيام الزيارة.
هذه الزيارة أعتبرها زيارة استثنائية؛ لأنها لم تكن سياسية فقط بلقاء الأمير بالرئيس أوباما وبالمسؤولين السياسيين، بل رأينا شيئًا مختلفًا عن كل زيارات القادة السعوديين طيلة العقود السابقة. هذا الاستثناء تمثل في لقائه برواد أعمال استثنائيين، وشركات رائدة لبحث فرص التعاون معهم في مجالات عدة، كالتقنية، والترفيه، والتعليم، كجزء من سعيه لتحقيق رؤية السعودية ٢٠٣٠. هذه اللقاءات والاجتماعات تجسد حرص الأمير الشخصي واهتمامه بريادة الأعمال، وأيضًا فهمه وإدراكه لأهميتها للدولة من الناحية الاقتصادية والتنموية، وهذا بالتأكيد يعد أحد المبشرات لرواد الأعمال في السعودية الذين عانوا وما زالوا يعانون من تأخر المشرعين وصناع القرار في إدراك هذه الحقيقة.
وادي السليكون الذي يعج بالابتكارات والشركات المليارية التقنية ورؤوس الأموال الضخمة كان أهم محطات الأمير في هذه الزيارة. تحمل زيارته هذه - في نظري - محورين رئيسيين: أولهما: الاطلاع على الابتكارات التقنية، وكيفية الاستفادة منها وتوظيفها لتحقيق رؤية السعودية. والمحور الآخر: هو بحث الفرص الاستثمارية.
رأينا وشاهدنا توقيع اتفاقيات وتفاهمات مع شركات ضخمة في هذا "الوادي"، قام بها الأمير والفريق المبدع المصاحب له؛ ما يوضح لنا "رؤيته" الجديدة التي سيقطف الوطن ثمارها في القريب العاجل إن شاء الله.
يجب أن لا نستهين بهذه الزيارة، ولا بذلك الخليج الصغير الواقع في طرف مدينة سان فرانسيسكو؛ لأنه مصدر الثورة الاقتصادية الجديدة التي غيرت وجه العالم والبشرية كافة. القيمة السوقية للشركات في تلك المنطقة تقدر بنحو 2.5 تريليون دولار، ويسيطر على رؤوس الأموال هذه الشركات التقنية ذات الطابع الابتكاري.
من الناحية الاستثمارية يُضخ في تلك الشركات استثمارات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويًّا في مئات الصفقات؛ ما خولها لتكون أكبر منطقة في العالم تشهد صفقات استثمارية، وصلت في بعض سنواتها إلى ٤٦٪ من حجم الاستثمارات الأمريكية كافة.
المستثمرون في تلك الشركات شهدوا عوائد كبيرة، تصل إلى ١٥ ضعفًا وأكثر في السنوات العشر الماضية؛ ما جعلها مغناطيسًا لصناديق الاستثمار العالمية الأخرى، ومنها السعودي.
لا يوجد دولة على وجه الأرض في هذا الوقت لا تعتمد على تلك الشركات في أعمالها وإدارتها لشؤونها الداخلية والخارجية. لن تكون مبالغة إذا قلت إن الدول سوف تتعطل وسوف تختل الأنظمة العالمية إذا ما توقفت تلك الشركات عن العمل لأي سبب من الأسباب؛ لأنها فعلا توفر حلولاً لا يمكن الاستغناء عنها مطلقًا.
من هذا يتبين لنا البُعد الاستراتيجي لزيارة الأمير لوادي السليكون -رغم كثرة مشاغله- وحرصه على عقد اللقاءات مع رواده. وأعتقد أننا سنشهد تطورًا كبيرًا في علاقة السعودية بتلك البقعة من الأرض الغنية بالعقول، وسنشهد أيضًا مساهمة إيجابية لهم في تحقيق رؤية السعودية ٢٠٣٠.
ختامًا أقول: يجب أن لا تكون تلك الزيارة فقط لتوقيع العقود وبحث الاستثمارات، بل يجب أيضًا على وزرائنا الأفاضل دراسة أسباب نجاح ريادة الأعمال هناك، وتطوير الأنظمة والقوانين في السعودية؛ لتجعلها بيئة حاضنة للإبداع والابتكار وريادة الأعمال، لا طاردة.