وجد عدد من المراقبين في خطاب الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال كلمته في افتتاح القمة العربية في عمان يوم أمس، إشارة بالغة الأهمية لتطوير وتعزيز العمل العربي المشترك في مجالاته المختلفة تحت مظلة جامعة الدول العربية، وانتشال وترميم الجامعة العربية من حالة ضعف التأثير والنفوذ، وعدم التزام الأعضاء بقراراتها وتوصياتها.
وكان الملك سلمان قد صرّح في كلمته بأن "إعادة هيكلة جامعة الدول العربية، وإصلاحها وتطويرها، أصبح مسألة ضرورية ينبغي الإسراع في تحقيقها"، ويأتي هذا التصريح في الوقت الذي تُعاني فيه الجامعة من ترهل شديد وضعف في بناء المواقف السياسية العربية وجمع الكلمة.
موقف عربي تجاه الجامعة
ولم يكن الموقف السعودي تجاه الجامعة العربية جديداً على المستوى العربي مؤخراً؛ فالمملكة المغربية حين اعتذرت عن استضافة القمة العربية السابقة، كانت قد وجّهت رسالة مباشرة حول ضعف هذه المؤسسة وأهمية تفعيلها؛ حيث أكدت الخارجية المغربية حينها "أن هذه القمة ستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي، أمام غياب قرارات هامة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية".
تعديل ميثاق الجامعة.. إزالة للصدأ
إن الموقف السعودي الداعي إلى تعديل ميثاق الجامعة العربية وتطويره، بدأ منذ سنين طويلة، ويأتي حرصاً على استمرار تماسك الجامعة وتقوية قراراتها، وما يتم إسناده من التزامات على أعضائها؛ حيث طالَبَ الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز حين كان ولياً للعهد باستحداث آلية لفرض التزامات على الدول الأعضاء لتنفيذ قرارات الجامعة التي تُتخذ على مستوى القمة أو مجالس الوزراء.
ويرى الدبلوماسي الجزائري أحمد بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، في حوار قديم مع "اليوم"، أنه "لم يَعُد هناك مَن يشكك في أهمية البحث عن آلية جديدة لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية، وإزالة الصدأ عن بعض البنود التي طمس الزمن معالمها تقريباً"؛ مضيفاً: "لذا جاءت إسهامات عدد من الدول العربية لتعديل ميثاق الجامعة ليواكب آمال وطموحات الشعوب العربية".
مشروع السعودية لتطوير الجامعة 2003
مشروع السعودية عام 2003 لتطوير الجامعة العربية، ركّز على ثلاث نواح أساسية؛ وهي: إيجاد ميثاق يجمع ما بين أعضاء الجامعة، ويركز على ضرورة أن يكون هناك التزام واضح وصريح من قِبَل جميع الدول العربية بما جاء في الميثاق؛ وخاصة فيما يتعلق بتلك القرارات التي تُتخذ بالإجماع على مستوى القمة أو وزراء الخارجية، ومن لا يلتزم بذلك يُتخذ ضده بعض الإجراءات التي يتم الاتفاق عليها؛ بحيث تصبح واجبة التنفيذ فوراً على من يقع تحت طائلتها.
الناحية الثانية هي ما ينبغي القيام به على المستوى الأمني والسياسة الخارجية وتنظيم المجتمعات داخلياً، والناحية الثالثة هي الجانب الاقتصادي الذي شغل حيزاً كبيراً في مشروع المبادرة؛ باعتبار أن المجال الاقتصادي لُب أي طموح لعمل عربي مشترك.
جامعة الدول العربية.. رؤية مستقبلية
إن جامعة الدول العربية التي أُعلن عن قيامها في 22 مارس 1945، قد شهدت منذ ذلك الحين العديد من الأحداث والتطورات، والتي كان لها فيها أدوار لا تُنكر إيجاباً أو سلباً؛ إلا أن حالتها الراهنة تجعلها أمام مفترق طرق، يتحدد خلالها مستقبل الجامعة.
وبحسب ما حدده الدكتور أحمد الرشيدي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لمستقبل الجامعة العربية؛ فهناك ثلاثة اتجاهات رئيسية لمستقبل الجامعة وهي: "أولاً إلغاء الجامعة وتصفيتها؛ لأنها فشلت في تحقيق أهدافها، ولأن بقاءها على وضعها الحالي يعتبر عقبة أساسية في سبيل إقامة مشروعات أخرى للوحدة العربية أو للعمل العربي المشترك، تكون أكثر قدرة على مواجهة احتياجات الشعوب العربية وتحقيق آمالها والاستجابة لتطلعاتها المشروعة".
والاتجاه الثاني، بحسب "الرشيدي": "المحافظة على بقاء جامعة الدول العربية؛ وذلك على الرغم من كل المآخذ التي تؤخذ عليها فيما يتصل بأدائها على مستوى تعزيز العمل العربي الجماعي؛ لأنه ربما يكون من غير المؤكد -في ضوء الحالة الراهنة للعلاقات العربية/ العربية- أن تتفق الدول العربية على صياغة تنظيمية أخرى أفضل من الصياغة الحالية التي تمثلها هذه الجامعة".
أما الاتجاه الثالث، والذي يراه "الرشيدي" "الأكثر واقعيـة والأقرب إلى المنطق؛ فيدعو إلى وجوب المبادرة فوراً وبجدية إلى العمل من أجل تطوير الجامعة وتدعيم أجهزتها ومؤسساتها؛ وذلك من خلال تعديل الميثاق على نحو يكفل لهذه المنظمة العربية الأم القدرة المناسبة على تحقيق أغراضها وتخويلها السلطات والصلاحيات اللازمة؛ لذلك -وبعبارة أخرى- فإن مؤدى ما يقول به أنصار هذا الاتجاه الواقعي؛ هو أنه قد بات ضرورياً للغاية إعادة النظر في ميثاق جامعة الدول العربية؛ بل وفي نظامها القانوني برمته؛ لكي يتلاءم والتطورات الحادثة على الساحتين العربية والدولية".