جميعنا يعلم مواصفات الموظف الحكومي النزق، الذي يخون وظيفته ولا يقيم قدرا لوقت المواطنين، ينظر إلى ساعته كثيرا، يبحث عن أي عذر ليغادر مكتبه. هؤلاء موجودون حقيقة، وتأثيرهم على المواطنين بعضها لحظي وبعضها طويل الأمد. ولكن، تخيلوا أن يكون هناك معلم يحمل مثل أخلاق هذا الموظف الحكومي الخائن؟ تخيلوا لو أن 10 % من المعلمين والمعلمات البالغ إجمالي عددهم نصف مليون تقريبا يشعرون بقرف من مهنتهم فكيف سيكون تأثير معلم أو معلمة لا يقيمان قدرا لرسالتهما. ماذا لو كان التعليم بالنسبة إليهم مجرد وظيفة تدر دخلا شهريا لا أكثر. سيكون لدينا 50 ألف معلم ومعلمة، كل واحد منهم يقوم بتدريس رقم وسطي مقدر بـ 30 طالبا وطالبة، ما يعني أن لدينا مليون ونصف طالب وطالبة يتلقون تعليما من معلمين لا يحترمون مهنة التعليم، فتخيلوا النتيجة معي.
ولأن مهنة التعليم هي المهنة التي تعلم جميع المهن، كان قرار وزير التعليم في ابتعاث 1000 معلم إلى الخارج لتطوير الأداء، قفزة نوعية في تفكير الوزارة تجاه دور المعلم. الرقم الوسطي التأثيري لهؤلاء يقدر بـ 30 ألف طالب في المرحلة الأولى، وفي حال استمرار ملف ابتعاث المعلمين سوف تتسع دائرة التأثير، وأقترح هنا أن يقوم الألف معلم المبتعثون بعقد ورش عمل لمعلمين آخرين في السعودية لم يخضعوا لبرنامج التطوير، فيتسع التأثير أكثر وأكثر. إلا أن لدي اقتراحا هنا، وهو أن الانطباع المتراكم لدى مؤسساتنا الحكومية بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأفضل في كل شيء قد يؤدي إلى ابتعاث هؤلاء إلى هناك فيتلاشى تأثير البرنامج. السبب أن أمريكا تعاني حقيقة في منظومتها التعليمية، مقارنة بسنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان الذين قدموا قفزات حضارية في زمن قياسي بسبب منظومة التعليم. علينا أن نخرج من الصندوق التقليدي في ابتعاث الغالبية العظمى إلى عواصم تعاني من تراجع في مخرجات التعليم لديها، وأن نقيم أداء الدول الأخرى التي استطاعت النهوض بنفسها بعد انهيارها مثل ألمانيا أيضا التي عادت بعد الحرب العالمية الثانية أقوى وأقوى.
في المقابل، وليس بعيدا عن تطوير التعليم والمعلم، يجب على مديري المدارس أن يقوموا بمبادرات مع الشركات الكبرى المحلية من أجل تطوير التعليم اللامنجهي، فمثلا لو اجتهد مدير مدرسة بتوقيع عقد مع شركة ألبان المراعي لبناء مختبر لمدرسته فإن الهدف يصيب هدفين: الحصول على مختبر محترف، وثانيا رفع مستوى المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات، وهو نظام تكافلي متعارف عليه في أوروبا وأمريكا بحيث تقوم الشركات بإعادة الشكر إلى المجتمع المحلي من خلال مبادرات حقيقية تخرج من إطار الصدقة والحسنة إلى أطر أكثر شمولية في التأثير بعيدا عن التأثير اللحظي في توزيع الألبان مجانا مثلا. التحول الوطني غير مقتصر فقط في تحول آليات العمل، ومؤشرات قياس الأداء، إنما أيضا في المبادرات، الأفكار والنفسيات.
وكما قال المفكر العالمي فيكتور غوغو: "افتح بوابة التعليم تغلق سجنا"، فكيف سيكون الحال لو تم فتح باب التعليم لـ "المعلمين". وفقكم الله.