في الظرف الراهن الذي نواجه فيه تحديات كبيرة وكثيرة تمس وجودنا وهويتنا بطريقة مباشرة وغير مباشرة، نحمد الله ونشكره أن وَهَبَنا قيادة رشيدة تقودنا إلى بر الأمان، كما دأب ولاة أمورنا في كل الظروف والأزمات، بفضل من الله وعونه وتوفيقه.
لا شك أن قوة الاقتصاد عامل رئيس للبقاء والمواجهة في عالم مليء بالتحديات، ولا شك أن عدم تنوع مصادر الدخل تُعَدّ نقطة ضعف على المدى البعيد، وإن كان الدخل كبيراً في فترة من الفترات؛ نظراً لعوامل غير ثابتة؛ مثل ارتفاع أسعار النفط قبل انخفاضه.
إن الحروب والأزمات تستهلك ميزانيات الدول وتؤثر سلباً على الأداء الاقتصادي ومسيرة التنمية؛ الأمر الذي أدى بالدول العظمى لخوض حروبها بالإنابة عبر تنظيمات ودول أخرى؛ لتقليل الخسائر العسكرية والاقتصادية ونقل الصراع إلى أماكن أخرى.
إن أخلاقنا الإسلامية وقِيَمنا ومبادئنا تأبى الإفساد وإشعال الحروب واستغلال التنظيمات والدول لمآرب غير شرعية؛ ولكن الدفاع عن الوجود والمصالح واجب وضرورة، ونصرة الأشقاء وإخوة الدين والنسب كذلك؛ فكان حتماً علينا الدفاع عن مصالحنا وأمننا ووحدتنا بأنفسنا وأشقائنا؛ معتمدين على الله ثم على قواتنا المسلحة وجنودنا البواسل.
لقد انبهر العالم من عاصفة التحول الجذري التي يقودها سمو ولي ولي العهد الأمير المقدام محمد بن سلمان، برعاية كريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف؛ فكان من نتاج هذه العاصفة أن رأينا العزم والحزم العسكري والانتصارات الباهرة في الميدان، كما رأينا في الجانب الآخر عاصفة التحول الاقتصادي.
إن ما يقوم به سمو ولي ولي العهد من خلال مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من عمل جادّ ودؤوب للإصلاح الاقتصادي، أمر في غاية الأهمية؛ إذ إن الإصرار على تنويع مصادر الدخل وترك الاعتماد الكلي على النفط، هو الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح والحل الجذري الذي سيُزيل كابوس الاعتماد الكلي على مصدر واحد.
خطوات جريئة وشجاعة؛ مثل طرح فكرة طرح أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب والاستثمار الزراعي والصناعي في دول شقيقة مثل السودان، وتأسيس شركات للصناعات العسكرية وغيرها من الخطوات؛ تُعَدّ نقلة جذرية مبنية على التنوع والاتحاد والانفتاح.
إن تنويع مصادر الدخل عملية تحتاج إلى دراسة مستمرة واستنساخ تجارب دول العالم التي اهتمت بتوطين الصناعات وتطوير قطاع الخدمات، ورفعت مستوى الكفاءة والإنتاجية عبر منظومة مرتبطة بمراحل التعليم، وعملت على الاكتفاء الذاتي بالمواد الاستهلاكية الأساسية.
مِن نِعَم الله علينا أن وَهَبنا وطناً مترامي الأطراف، فيه من العوامل الزراعية والصناعية والسياحية والتاريخية ما يمكن أن يُساهم بشكل كبير في تنويع مصادر الدخل إذا أحسنّا استغلالها.
إن سعيَنَا في توطين الصناعات الأساسية بالتعاون مع الدول والجهات الشقيقة التي لنا قصب السبق فيها؛ سيغطي جانباً مهماً في اقتصادنا؛ حتى لا نكون مجتمعاً استهلاكياً محضاً.
كذلك الاهتمام بالسياحة أمر في غاية الأهمية؛ إذ تعد السياحة مصدر دخل مهم لكثير من الدول، ومن نِعَم الله علينا أن وهبنا مناطق متنوعة فيها من جمال الطبيعة والأجواء ما يضاهي دول العالم السياحية؛ فضلاً عن تميز وطننا بالأماكن التاريخية والدينية التي يجب علينا تهيئتها بما يُوافق شرعنا، ثم تسويقها ودعم السياحة إليها.
بَقِيَ جانب آخر ومهم؛ ألا وهو الاستثمار في الإنسان السعودي؛ فهناك عشرات الآلاف من أبنائنا الذين ابتعثوا للتعليم في الجامعات العريقة في أنحاء العالم، وأثبتوا جدارتهم وتصدروا الصحف بإنجازاتهم واختراعاتهم رجالاً ونساء؛ الأمر الذي يجب التنبه له؛ لا سيما أننا أمام نماذج لدول العالم النامية التي نمت وتطورت بالاستثمار في عقول أبنائها؛ فها هي الهند التي نجحت في العِقدين الماضيين في توطين التقنية وعلوم الحاسب؛ فاكتسح أبناؤها الشركات العالمية؛ مما كان له مردود اقتصادي باهر ومؤثر.
نحن أبناء الوطن نشعر بالفخر والاعتزاز بإنجازات وطننا، ونرى أن المساهمة بكل ما نستطيع في نصرته وخدمته واجب علينا؛ وهو نوع شكر لولاة أمرنا؛ فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وهم الذين بذلوا الغالي والنفيس لأمننا ووحدتنا ورخائنا، وسنبقى على هذا الأمر ما حيينا بإذن الله.