حكايتي مع التحرر الغربي!!

حكايتي مع التحرر الغربي!!

من بين أكثر القضايا التي تطرقت لها يأتي التحرر والحرية في المجتمع الغربي كقضية تهزني كثيرًا، وتقرض قلبي هلعًا أن أرى ما رأيته من مساوئ الحرية المفرطة في البلاد الغربية حاضرة بسلبيتها وخطرها في بلادنا الإسلامية العزيزة، وفي وطننا بالذات!

أكثرت منها حتى قالت لي زميلتي أنت تكررين الحديث في هذا الموضوع! وقبلها بسنوات قال لي رئيس تحرير إحدى الصحف البارزة (أنت تكتبين وكأنك تخطبين في مسجد!!). كان موضوع مقالتي حول ضرورة توعية المبتعثين بقوانين الدول الغربية؛ حتى لا يتعرضوا للمساءلة والسجن، وعرجت على ضرورة تقوية الوازع الديني لهم!! (ولم تنشر المقالة!!).

غير أنني في كل مرة أجد الموضوع يعيدني إليه بطريقة أو بأخرى، وعبر محفزات ومواقف تكتبني قبل أن أكتبها! ولا أخطر من هذه الأيام التي بدأت المخالب الخارجية والداخلية تبرز بحرية طاغية، وتكتب براحة منقطعة النظير! ولعل وسم كوني حرة أبرز مثال لذلك!

لهذا، وعبر العزيزة "سبق"، أجدني بحاجة لأقول بعض ما قلته وما لم أقله! ومنه حديثي عن حكايتي مع التحرر الغربي (إن جاز لي التعبير)، أو فلتكن من بين العناوين الجاذبة ليس إلا!

وبالمناسبة، يتراءى لي مشهد قبل سنوات عدة لسعودية، ظهرت في إحدى القنوات قائلة (أبي حقي!!)، وكتبت حينها مقالة (موضة أبي حقي!!). الآن هي مذيعة، تخرج عارية الساقين، وتتحدث في كل ما يخص مجتمعنا، وتحاول التفقه فيما لا تعرفه!! وأتمنى لو تجيب عن سؤالي: كيف أنت الآن وقد أخذت ما ترينه حقك؟ هل كسبت التحدي؟ وتحديت مَن؟

أما حكايتي مع التحرر الغربي فبدأت في أمريكا تحديدًا التي عشت فيها سنوات طويلة، بدأت منذ أحداث سبتمبر المخيفة، وانتهت قبيل سنوات، رأيت خلالها ما لم أره أو أسمع به من حكايا المجتمع الأمريكي الموجعة، وحياة المرأة المستغلَّة بشكل لا يوصف إطلاقًا!! ولا يحتاج إلى أن أحدثكم عن اللحم الرخيص المكشوف (وكان لبرودة الجو معظم شهور السنة منقذ للعيون المتقززة لتأتي أيام الصيف القليلة مقززة فعلاً!).

لم يكن يعنيني في الحقيقة تعرية المجتمع الغربي المعرى أصلاً، لكن الذي أوجعني أنني كلما عدت للوطن وجدت تغييرًا لدى المرأة السعودية بطريقة عجيبة!! وأصواتًا تتعالى لحرية وتحرر لم تكن من قبل. كنت أستطيع رصد ذلك لأنني غائبة أكثر من الحاضرات، ويبين لي الفرق أكثر منهن. التدرج كان لافتًا وسريعًا، وفي كلها يظهر ما لم يكن موجودًا في الشكل واللباس وطريقة العيش، وحتى الحفلات والعلاقات الإنسانية!! والأخطر التساهل واعتيادية اقتراف الخطأ، ومجاراة الطبقة المخملية.. والمدهش تلك المقولة التي تبرر ذلك (ماذا سيقول عنا الناس؟)، وكأن الستر والحشمة عيبٌ!!

قررت حينها أن أقدِّم لمجتمعي ما هو أكبر من مجرد مقالة (على أهميتها)، وبدأت بتأليف كتاب عن مساوئ الحرية المفرطة للمرأة الغربية بلسان الغربية، واستعرضت شواهد وقصصًا من قِبلهن، وصفن فيها مجتمعهن بعد كل هذه الحرية، وهل هن سعيدات فيها؟ (أرجو ألا يعتبر ذلك دعاية؛ فالكتاب نفد من الأسواق ولم يتسنَّ لي طباعته مرة أخرى).

أرجوكم، لا أحد يقول إننا نعرف المجتمع الغربي، ولسنا أغبياء لنكون مثله؛ فالحقيقة أن ذلك ما يحدث؛ فما استنتجته من جملة بحثي أنهم كانوا أكثر التزامًا بالقيم والأخلاق، بل يتحسرون على القيم التي افتقدوها مع مفهوم (أنت حر فيما تفعله ما لم تعتدِ على حرية الغير).

ونحن نسير - للأسف - في الطريق ذاته. كنت قد قلت إن لا أحد سيمسك أي مجتمع من عنقه ويقول الآن عليك أن تتغير وتكون مثلنا!! بل يكون ذلك بالتدريج عبر تفريغ كل القيم القديمة من عقول الأجيال، ثم ملئها بما يريدونه. وهذا وقت الامتلاء!!

وجدتني أخجل كثيرًا من حديثهن الصريح وهن يحكين عن استغلال المرأة والفراغ الروحي وإرهاقها بالعمل طيلة اليوم مع مسؤولياتها المنزلية، وعن اللباس والعري والهوس بالرشاقة والجمال، والصديق المعاشر وكثرة أولاد الزنا، وعن حلمها بالزواج والاستقرار مقابل كثرة الطلاق أو العيش مع الصديق بدون زواج، وعن حرية الإجهاض وقتل الأجنة تبعًا لذلك، وعن الخيانة الزوجية، وعن التفكك الأسري، وظهور الأُسر الشاذة، وعن معاناة الأطفال بدون آباء، وعن الحرية الجنسية وأمراضها القاتلة، وعن تشجيع الشذوذ وزواج المثليين، وعن كثرة الجرائم والعنف ضد المرأة حد القتل! وغيرها الكثير..

لا أظن - حين أعدد تلك المساوئ - أنني أنزه مجتمعنا من الأخطاء بحق المرأة أو حتى الرجل، أو أتناسى الفهم الخاطئ للنصوص الدينية وتطبيق شرع الله تعالى. وعلينا أن نعترف أن لدينا الكثير من الأخطاء التي يجب أن تصحَّح عبر الفهم الصحيح والتطبيق السليم لتعاليم الإسلام، وليس عبر قوانين الأمم المتحدة والتوقيع الخاطئ عليها، التي تعمم النموذج الغربي للمرأة والمجتمع الغربي كمنقذ للإنسانية!! الشيء الذي أعتبره حقيقة أن المرأة الغربية هي المسجونة في سجون التحرر، وأن المتطلع للاقتداء بها وافتراض حريتها كمكسب لا بد أن تحصل عليه المرأة المسلمة يعتبر فهمًا قاصرًا ناقصًا بذيئًا حتى!! لدينا كمجتمع مسلم تعاليم وقواعد، تتنافى مع السلوك الغربي على مستوى المرأة والرجل.. لدينا حلال وحرام، نعلم أننا سنُحاسَب عليه.. ولأولئك ما زلت أقول "تتحدون مَن؟!".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org