حلم راود "المريدي" وحققه "الإمام محمد بن سعود".. تعرَّف على "الدرعية" التي أُسست لتكون "المدينة الدولة"

تميَّزت بكونها حاضنة منذ نشأتها للعرب من المناطق كافة
 حلم راود "المريدي" وحققه "الإمام محمد بن سعود".. تعرَّف على "الدرعية" التي أُسست لتكون "المدينة الدولة"

لم تكن الدرعية عاصمة للدولة السعودية الأولى فقط، وركيزتها الأساسية، بل إن تاريخها الطويل، الذي يعود إلى منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، حينما تأسست المدينة على يد مانع المريدي، يخبرنا بأنها تأسست في الأصل لتكون المدينة الدولة city state، القابلة للتوسع مع مرور الوقت.

ويعود مفهوم دولة المدينة city state إلى نحو 5 قرون قبل الميلاد؛ فهو مفهوم يوناني كلاسيكي، انبثق عن الدول التي أُقيمت في شبه جزيرة اليونان، ومن أبرزها: "أثينا، وأسبرطة، ومقدونيا"؛ إذ كانت كل واحدة من هذه المدن تشكل كيانًا سياسيًّا مستقلاً في شبه الجزيرة.

وإذا ما نظرنا إلى التاريخ مرة أخرى سنجد أن روما كذلك من الأمثلة على الدول المدن؛ فقد كانت تتمتع فيها المدينة بالسيادة على المناطق المجاورة المحيطة بها، وكانت بمنزلة مركز للحياة السياسية والثقافية والاقتصادية في المنطقة بالكامل، بمعنى أنها ليست مجرد تجمُّع عمراني؛ وإنما كيان يشكِّل وحدة سياسية، تمارس حكومتها السيادة الكاملة على أراضيها وجميع الأراضي داخل حدودها.

الحلم العربي

ولم تكن الدرعية في التاريخ السعودي بعيدة عن ذلك المفهوم؛ فقد راود حلم بناء دولة عربية في جزيرة العرب الكثيرين؛ وذلك لما عانته المنطقة من تدهور، وسيطرة الأغراب والأعراق الأخرى على مقدراتها؛ لذا نشأ حس عربي بضرورة تأسيس دولة تقوم على الركيزة العربية، لا على العصبية القبيلة؛ فكانت الدرعية.

ويشير المؤرخ راشد بن علي بن جريس، الذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، إلى أن فكرة إنشاء دولة عربية في جزيرة العرب كانت واضحة للأمير مانع المريدي، ولابنه ربيعة، وحفيده موسى بن ربيعة، وابن الحفيد إبراهيم بن موسى بن ربيعة، الذي كان يسمى بأمير نجد، وغيرهم.

ويذكر أنهم أمراء مستقلون، أي لا يتبعون لأحد، أو تتملكهم الأهواء أو العصبيات.

ويلفت "ابن جريس" إلى أن تفكير الأمير موسى بن ربيعة انصبَّ على الاستقلال بجزيرة العرب، وفي تفكير والده، وجده، ووالد جده "مانع" الاستقلال بمنطقة نجد، وشرق الجزيرة العربية التي جاء منها الأمير مانع لتأسيس دولته في نجد بالمنطقة التي كان يسكنها أجداده من قبيلة بني حنيفة.

نموذج للدولة المدينة

منح الموقع الجغرافي المميز لمدينة الدرعية أهمية استراتيجية؛ لتصبح عاصمة لدولة كبرى فيما بعد؛ فقد كانت تقع على وادي حنيفة، أحد الأهم الأودية في منطقة نجد، فضلاً عن وقوعها على أحد أبرز الطرق التجارية القديمة.

كما تميزت الدرعية بكونها حاضنة منذ نشأتها للعرب من المناطق كافة، على عكس السائد بأن تكون البلدة في بداية التأسيس خاصة بأسرة واحدة، ثم تسمح هذه الأسرة بعد مرور الزمن بانتقال أُسر أو عوائل معيَّنة بناء على اتفاق ما إلى البلدة، ولكن الدرعية احتضنت الجميع منذ يومها الأول كنموذج للمدينة الدولة فيما بعد.

اكتسبت كذلك الدرعية أهمية خاصة بفضل حكامها؛ فقد كان مانع وأولاده الأمراء حريصين على حماية القوافل، ولاسيما قوافل الحج؛ وهو ما مكَّنهم من تحقيق شهرة كبيرة، وذلك إلى أن جاء الأمير الإمام محمد بن سعود في القرن الثامن عشر الميلادي؛ لينتقل بالدرعية إلى مرحلة الدولة المتكاملة بكامل أركانها، والمتعارف عليها تاريخيًّا باسم (الدولة السعودية الأولى).

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org