رحل مهللًا مكبرًا.. الموت يُغَيّب العم "طالع الغيدان" بعمر تجاوز الـ120 عامًا
رحل العم طالع بن ناصر الغيدان عن الحياة مهللًا مكبرًا بعد رحلة طويلة تجاوزت الـ120 عامًا، تخللتها أحداث كثيرة وقصص أكثر؛ إلا أن ظهوره مؤخرًا عبر مقطع فيديو وهو يؤذن في منزله رغم حالة ألزهايمر التي أصابته آخر عمره، كان لها التأثير القوي على كل من شاهده وهو أمام الميكرفون الذي جلبه له أبناؤه؛ ليشعر وكأنه في المحراب يرفع صوته مع كل فريضة بالنداء لها، بعد أن قضى جل عمره مؤذنًا.
ونعى الزميل صلاح الغيدان -صباح اليوم- والده عبر تغريدة بتويتر قال فيها: "بقلوب مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره انتقل إلى رحمة الله والدي وحبيبي طالع بن ناصر الغيدان، وستكون الصلاة عليه اليوم الأربعاء بعد صلاة العصر في جامع الملك خالد في أم الحمام بالرياض والدفن في مقبرة الشمال.. رحمة الله عليك يا فقيدنا الغالي وجبر مصابنا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكانت "سبق" قد نشرت في العاشر من شهر أبريل الماضي من العام الجاري جانبًا من حياة العم طالع بعنوان "120 عامًا وزواج بالسبعين وفيديو مؤثر.. قصص العم طالع والـ 3 مراحل والأبناء"..
وجاء فيه: "ضربت أسرة الزميل صلاح الغيدان أجمل صور البر بوالدهم طالع بن ناصر بن غيدان آل غيدان أحد أبرز المعمرين في السعودية، والذي يتجاوز عمره الـ120 عامًا ويعاني من ألزهايمر؛ إلا أن لسانه لا يزال رطبًا بذكر الله وترديد الاستغفار ورفع الأذان؛ وهو ما حدا بالأسرة إلى إحضار ميكرفون ليشعر معه أنه في محراب المسجد الذي كان يصدح فيه بالأذان لثلاثين عامًا مضت".
ووثقت الأسرة المشهد للأب المُسِنّ الذي أخذ يصدح بالأذان عبر مقطع فيديو انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحقق انتشارًا كبيرًا وملايين المشاهدات، وسط إعجاب تحركت معه المشاعر وجرت الدموع، وارتفعت الأكف ولهجت الألسن له بالدعاء.
وتواصلت "سبق" مع أفراد أسرة العم طالع آل غيدان الذي عاش ثلاث مراحل مختلفة كليًّا، عاشها وخاض أحداثها بنفسه؛ أولاها مرحلة ما قبل توحيد المملكة عندما كان الجوع والخوف وقطع الطريق والسير على القدمين سيد الموقف في تلك الحقبة الزمنية والتاريخية.
ثم المرحلة الثانية بعد توحيد المملكة وبداية ظهور التطور واستخدام السيارات والطائرات والهاتف الأرضي واستتباب الأمن.
والمرحلة الثالثة التي شهدت فيها المملكة الثورة الصناعية الرابعة وهي مرحلة جيل التقنية ووسائل الاتصالات المتطورة في العصر الراهن والتي عاشها العم "طالع" من خلال مشاهدة أحفاده وأبنائهم وهم يستخدمون لغة مختلفة تمامًا لا يفهم كنهها.
عاصر "آل غيدان" لأكثر من قرن من الزمان أحداثًا عظيمة وكبيرة لا يمكن حصرها إلا أن من أبرز ملامحها وما عَلِق في أذهان أبنائه منها، أنه بدأ حياته متنقلًا بين مكة والطائف طلبًا للقمة العيش، إلى أن استقر به المقام في الرياض بعد أن حصل على وظيفة بسيطة في وزارة المعارف براتب زهيد جدًّا لا يكاد يذكر، لم يكن يرهق ذمته بأي حقوق مادية أو معنوية لأحد فلم يقترض ريالًا من أي إنسان في حياته؛ وفق ما قالته أسرته نقلًا عن معارفه وأصحابه ومَن عرفه؛ بل كان هو في موقف المعطي لمن حوله عن حب وإحسان.
وقضى العم "طالع" في أواخر الثمانينات بعد تقاعده من الوظيفة الحكومية، 30 سنة من عمره مؤذنًا، إلى أن كبر سنه وضعف جسده، ليرى أبناؤه أن يرتاح رغم أن قلبه لا يزال معلقًا بالمسجد وذكر الله والطاعة؛ حيث يؤدي فروضه بالفطرة السليمة فهو لم يتعلم ولم يلتحق بالمدرسة.
عاش "الغيدان" محبًّا لوطنه وقيادته كغيره من المواطنين السعوديين ولطالما ردد بلسانه "الله يعز حكومتنا، الله يعز آل سعود"، ومن شدة حبه وإعجابه بشخصية الملك عبدالعزيز يقول لأبنائه: كنا نتسابق أنا ورفاقي لمشاهدة الملك عبدالعزيز وبعض أبنائه في مكة والطائف لننعم برؤيتهم.
أما عن حياته الأسرية؛ فقد تزوج زوجته الأولى بعد أن تجاوز عمره السبعين سنة وكانت تصغره آنذاك بخمسين سنة، وهي الوالدة شريفة بنت محمد آل رشيد التي عاش معها رغم فارق العمر الكبير حياة سعيدة؛ فقد كانت له العون والسند بعد الله.
كافحت هي الأخرى وحاربت الأمية وحصلت على شهادة سادس ابتدائي وهي في الخمسين من عمرها، لتستطيع قراءة القرآن الذي تختمه باستمرار.
أنجبت له 3 بنات وهن: (منيرة، وحنان، وحصة)، وولدين (مصلح، وصلاح)، وأكبرهم جميعًا المعلمة والمربية منيرة الغيدان التي تقاعدت وهي مديرة مدرسة، وأصغرهم الزميل المذيع صلاح الغيدان.
وتؤكد ابنته "منيرة" أن والدها كان يميل للبنات أكثر من الأولاد، يسقينا من فيض حنانه وعطفه ورحمته، يهتم بنا كثيرًا، ولا يرى أخطاءنا أبدًا.
ويقول ابنه "مصلح" أنه لم يضرب أحدًا من أبنائه في حياته إطلاقًا.. كان يحب التجاهل، لا يدقق كثيرًا كما يفعل بعض الآباء، كان يربي بالدعاء بالصلاح وكانت الشفافية سيدة الموقف بيننا مع الحفاظ على الاحترام والتقدير الكبير.
أما ابنته "حنان" فتورد قصة تؤكد جانبًا من عطفه عليهن، وهي أنها عندما رزقت بمولودتها "جيهان" أول حفيدة للعم طالع وفي أول زيارة لهم؛ قطع 10 كيلومترات سيرًا على الأقدام للوصول لأقرب سوق لشراء فستان هدية لحفيدته؛ لكونه لا يجيد ولم يتعلم قيادة السيارة.
ولأن كل ابنة من بناته لها قصص كثيرة معه؛ فقد قالت "حصة": كان يخصني والدي -حفظه الله- بمشروبي المفضل الذي يخفيه عن بقية إخوتي "عصير المانجو" اللذة الحقيقية فيما كان يقوم به تجاهي.
لم يكن العم "طالع" محور حديث أبنائه فقط؛ بل امتد إلى ممرضته الخاصة "منى" التي قالت: "العم طالع مدرسة في الحياة، نسي مع كبر سنه وشيخوخته بعض الأحداث؛ إلا أنه لم ينسَ ذكر ربه سبحانه وتعالى والصلاة على النبي والاستغفار الدائم والأذان، تعلمت منه أشياء كثيرة ولا أجد سعادتي إلا في خدمته والقيام بشأنه ومتابعة حالته الصحية".
أما الزميل صلاح الغيدان فقد أسقط حبه للإعلام وشغفه به على والده عندما قام وإخوته بإحضار ميكروفون له ليُشعره أنه لا يزال في المحراب؛ خصوصًا مع حالة ألزهايمر التي يعيشها، والذي أخذ من خلاله في رفع صوته بالأذان بما يتجاوز الثلاثين مرة على مدار اليوم، ودفع المشهد إلى قيام الأسرة بتسجيل مقطع فيديو للأب الذي كان يقف خلف ذلك الميكروفون وهو يرفع الأذان بما يُظهر حبه وتعلق قلبه بالمسجد والصلاة وهو في هذا السن، لينتشر ذلك المقطع المؤثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي محققًا نسبة مشاهدات قُدرت بالملايين.