طلَب مجلس الشورى من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الإدلاء برأيها في جدوى ضمها إلى وزارة التعليم العالي، وكم كان رأيها صادماً حينما أعلنت بوضوح وصراحة شديدة أن سياسات التعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني، تحتاج بشكل حتمي لإجراء إصلاح جوهري بسبب الاختلالات الوظيفية لهذه المنظومة المتراكمة؛ وفي مقدمتها ضعف الارتباط في التخطيط والتنفيذ مع الاحتياجات التنموية.
ورأت المؤسسة أن هناك شبه إجماع على أن منظومة التعليم العالي (الجامعي) والتدريب التقني والمهني في المملكة، لا تخدم بشكل فعال الاحتياجات الراهنة للتنمية والتقدم.
ورتّبت على رأيها السابق حتمية إحداث إصلاح جذري واسع النطاق لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، يدعمه مراجعة جوهرية لسياساتها؛ بهدف مجاراة الدول الأخرى التي تكثّف استثماراتها في رأس المال البشري، والتعليم على وجه التحديد.
لا أدرى لماذا أخذني هذا الرد الصادم من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني إلى الصورة التي نشرتها صحيفة المدينة صباح الثلاثاء 4 ربيع الآخر 1438هـ، ويبدو فيها رجال التعليم والطلاب يعبرون مسبحاً من المياة الراكدة الطافحة التي تُزكم الأنوف وتنشر العدوى أثناء مغادرتهم اليوم الدراسي!
هل هذه الصورة تعبّر عن واقع بيئتنا التعليمية التي هي عنوان العملية التعليمية برمتها؟ أم إنها مجرد صورة لا تعبّر إلا عن نفسها فقط؛ بينما تنعم بقية مدارسنا ببيئة نظيفة وآمنة توفر السبل المناسبة لعملية تعليمية سليمة ومفيدة؟
قادتني أفكاري إلى أن أبحث أكثر عن التعليم في بلدنا واهتمامات الوزارة والوزراء والمسؤولين المعنيين؛ فوجدت الوزارة ومسؤوليها ساعين بجد واجتهاد نحو إطلاق برنامج "جاهز"، الذي يقولون إنه سيحمل وضوحاً في مستوى المسؤوليات والصلاحيات والمحاسبية، وسيكون مرتبطاً ببرنامج نور، وبرنامج فارس، سيكون متاحاً طوال العام لمتابعة الاحتياجات الضرورية لإدارات التعليم.
خلصتُ من متابعتي بنتيجة مفادها أن الواقع التعلمي في مدارسنا جد مختلف عن الواقع الذي تتحدث عنه الوزارة؛ فالواقع في حقيقته يئن من الفوضى والتخبط والعشوائية؛ فيما تحدثت الوزارة عن برامج واستعدادت لا نختلف في أهميتها؛ ولكن هي محل شك في جدواها.
ولعل من نافلة القول التأكيد والتذكير بأن التعليم هو عصب التقدم لأية أمة، وأن الأمم السابقة في مجال التقدم العلمي والتقني ارتكزت في نهضتها على التعليم، والأمم التي ارتكست وتخلفت عن ركب التقدم هي الأمم التي تنكّرت لأهمية التعليم ومحوريته.
وهذه الأمم التي تَقدمت لم تكن أهمية العلم بالنسبة لها مجرد شعارات طنانة، أو مؤتمرات براقة، أو برامج تطبيقية؛ إنما كان التعليم بالنسبة لها استراتيجية محددة الخطوات، وهوية واضحة المعالم، ومشروع نهضة لا يقف أمامه شيء، ولا يتقدمه شيء البتة.
أين نحن يا وزارة التعليم؟!