رُقية أم سحر وشعوذة..؟
في عام 2016 نشر الباحث بوريس جيرشمان دراسة في دورية Journal Of Development Economics ، بعد أن قام بالعديد من التجارب والأبحاث والدراسات على مجتمعات جنوب الصحراء الكبرى، التي تصدق وتؤمن كثيرًا بأعمال السحر والشعوذة أكثر من غيرها من المجتمعات الإفريقية. وقد لاحظ هذا الباحث عزوف الناس عن العمل والإنتاجية، ولجوءهم إلى السحرة والمشعوذين في أمور حياتهم الشخصية والعملية كافة، دون الذهاب إلى مستشارين ومختصين، يدركون علميًّا ماذا تعني لهم تلك الأمور، حتى أنهم يستعينون بالسحرة في معالجاتهم المرض دون الذهاب إلى الأطباء والمختصين..!
وحين اطلعت على الدراسة وقرأتها تذكرت حال بعضنا الغارقين في متاهات المشعوذين والسحرة وأصحاب الرقية "القراء" في كل حارة وشارع من شوارعنا. ولا يوجد منزل في مدينة ما إلا ذهب فرد من أفراده إلى هؤلاء القراء طالبين منهم الرقية والقراءة والاستشفاء لابنهم أو ابنتهم. ومع الأسف، كثر وجودهم، واستفحل وجودهم في القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، وغزوا المجتمع بألاعيبهم ومهاراتهم وخزعبلاتهم، ووجدوا من يصدقهم ـــ مع الأسف ـــ ويروج لهم..!
الجماهير تقف خلف النجوم، وترتقي بهم، وتخلق لهم الأجواء اللامعة والشهرة، وتجلب لهم المال والجاه والمكانة الاجتماعية. وهنا كانت هذه الجماهير تحتفي بهؤلاء المشعوذين، وتزيد من أرصدتهم وجماهيريتهم ومكانتهم، وتتواصل معهم، وتدفع لهم المال، وبدورهم يحبكون المسرحيات والأفلام؛ لكي يستمروا في منهجهم وأعمالهم؛ وبالتالي الاستمرار في استنزاف الآخرين طيبي القلوب، أو قليلي التفكير والعقل؛ كونهم لا يرجعون إلى كتاب الله وسنة نبيه، ولا يأخذون بأقوال العلماء والعقلاء في المجتمع واستشارة المختصين، كل في مجاله، وعدم إعطاء هؤلاء أكبر من حجمهم وأعلى من مكانتهم التي خلقوها من الوهم..!
أحدهم أصبح يروج لأكاذيبه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر (الموقع الشهير). ومن الكذبة الكبرى أنه يقرأ لهم وعليهم عبر الإنترنت..!
أي علاجًا عن بُعد.. هل وصل حال البعض إلى هذه الدرجة من السذاجة لتصديق هؤلاء..؟
أحدهم لديه قناة فضائية، يظهر بها ساعتين في اليوم؛ ليروج لأفكاره وخزعبلاته، ويتلقى الاتصالات من الجمهور؛ ليفسر لهم الأحلام والرؤى، ويدعوهم للتصديق بأفكاره وخزعبلاته؛ ليكونوا عملاء جددًا؛ ليزيد رصيده المالي.
فلنحذر من هؤلاء الدجالين، ولنكن أكثر عقلانية ودراية، ولنحذر كل الحذر من الانسياق والاندفاع خلف هؤلاء وأقاويلهم وتصرفاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان..!