
تستعيد فيفاء؛ عروس الجنوب، هذه الأيام، ذكرياتها في سالف العصر وطقوس أهلها في زمن الطيبين، والتي تفوح منها روائح أشجارها العطرية التي كانت تصاحب عادات قلّما تمارس في هذا العصر.
فقبل رمضان بأيام تجتهد النساء في طحن الحبوب "الدخن والزعر والغرب" على الرحى؛ وكل تلك الحبوب من نتاج الأرض، أما الرجال فيذبحون الذبائح ويقطعون اللحم وينشرونه على ما يُسمى "المساييع" بهدف تجفيفه، ولاسيما أن الكهرباء والثلاجات غير موجودة في تلك الأيام.
ولا تخلو قبيلة في فيفاء من مذياع أو أكثر يتابعه رب البيت لسماع خبر رؤية الهلال وإعلان دخول الشهر؛ فيبادر لإطلاق الرصاص من شرفة بيته فيتبعه الناس ويطلقون الرصاص إعلاماً بدخول الشهر، ويتم الإعلام بالطريقة نفسها عند إعلان العيد، وما زالت هذه العادة موجودة إلى اليوم إلا أنها أصبحت تعبيراً عن الفرح وليس للإعلام، ويقصد الناس مؤذن المسجد لضبط ساعاتهم على ساعته باعتباره الشخص الموثوق والمتابع لمواعيد الإفطار والسحور.
ويواصل فرحان الفيفي؛ أحد أعيان المحافظة، الحديث عن رمضانات فيفاء السالفة، قائلاً: "كان في كل بقعة في فيفاء موقع ذو إطلالة رائعة يجتمع فيه الناس عصر كل ليلة إلى صلاة المغرب، وهو ما يسمّى (المندى) فيتجاذبون أطراف الحديث، ويمارس الفتيان خلال تلك الجلسة بعض الرياضات كالقفز لأعلى مسافة قد تصل إلى المترين، متجاوزين مدرجاً زراعياً ونحوه، أو يلعبون ما يُعرف بلعبة المزاقرة، وعند الغروب يصعد المؤذن على بيته أو على المسجد فيرفع الأذان فيفطر الناس.
ويتابع: "تكون النساء قد أعدّت مائدة الإفطار على سطح البيت، فيجتمع كل فيفاء فوق بيوتهم الأسطوانية لتناول الإفطار، والمائدة تكون عبارة عن خبز "المثفاة" وجمعها "أثافي"، وهي عبارة عن حجرتيْن ملساوين يوضع بينهما الحطب وتلصق عليهما الخبز، بعد أن يثبّت على بعض ورق الشجر، كورق الموز، إضافة إلى السمن والمرق واللحم، وبعض الأسر يشترون النشاء فتعدّه الناس في القدور ثم يبرد على شرف البيوت، وتضيف بعض الأسر شراب وفاكهة الأناناس المعلب.
وفي شهر رمضان يجتمع الناس المحيطون بسوق فيفاء "النفيعة" في السوق حتى قُبيل الغروب، وفي بعض بقاع فيفاء يجتمع الناس للصلاة وتلاوة القرآن في المساجد، كمسجد الدرب.
ويقول "الفيفي": إن الناس ينامون مبكراً ولا يكاد يسهر لمنتصف الليل في فيفاء إلا قلة، وقُبيل السحور يتفقّد الناس جيرانهم لإيقاظهم لإعداد السحور، وقد يطلق البعض الرصاص لإيقاظ كل القبيلة، وفي بعض البيوت المتقاربة يربط الناس حبلاً مثبتاً عليه بعض الصحون تدق في شرف البيوت عند هزّ الحبل ليستيقظ الجيران؛ لتقوم بعمل المسحراتي.
وعن وجبة السحور، قال: وجبة السحور عادة هي الدخن المخلوط بالحليب والسكر، وكانت الأمهات يكثرن وجبة السحور، ويقنعن أطفالهن الراغبين في الصيام بأن تناول شيءٍ من وجبة السحور وقت الغداء لا يفطر، فشاعت بعدها مقولة (سور امحرس لا يفطر) وتعني بقايا طعام السحور لا تفطر.
وعن أواخر رمضان يقول: "في أواخر رمضان يستعد الكل للعيد فتحلق رؤوس الأطفال وتحنى أقدامهم، وتعد النساء الطيب المصنوع من الأشجار العطرية كالشيح والبعيثران والكاذي، ويقمن بطحن حجارة الكحل ويضفن إليها بعض الدهن".