رموز وحصون وطبيعة ساحرة.. شاهد "قرى بطحة المنسية" تبحث عن منقذ!

هجرها أهلها بعد عقود من التجاهل ويحلمون بـ"زيارة للأمير تحمل الخدمات"
رموز وحصون وطبيعة ساحرة.. شاهد "قرى بطحة المنسية" تبحث عن منقذ!

قرى بطحة بني حسين تتميز بالطبيعة الساحرة والمقومات السياحية والإرث التاريخي الكبير

في أعالي الجبال، شرقي محافظة المجاردة ذات الطبيعة البكر الساحرة والمقومات السياحية الرفيعة والإرث التاريخي الكبير، تقبع قرى "بطحة بني حسين" على ارتفاع يقترب من 5 آلاف قدم عن سطح البحر مفتقرة للخدمات؛ حيث هجرها أهلها بسبب تجاهل المسؤولين لمطالبهم الأساسية لعقود عدة؛ وانتقلوا إلى مناطق أخرى.

وتُحاط "بطحة بني حسين" التى لا تبعد سوى 8 كيلومترات من قلب المحافظة، بأشهر ثلاثة جبال في المحافظة "ريمان شمالاً والقرن شرقاً وتهوي جنوباً"، وتتجه كافة شعاب وأودية بطحة غرباً لتصب جميعها في وادي "الضمو" الذي يعد من الروافد العليا لوادي "يَبَة الكبير".

وبها مقابر تشير اتجاهاتها لما قبل الإسلام، كما أنها شهدت عدة حروب ضد الدولة العثمانية، هُزم فيها الأتراك وبقيت مقابرهم شاهدةً على انتصار أهلها الذين شاركوا في عدة حروب تحت راية الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لتوحيد المملكة العربية السعودية وقمع تمردات في أقصى جنوب المملكة.

وتحوى هذه القرى "الحزينة" حصوناً وقلاعاً بُنيت بغاية الروعة والإتقان ومدرجات زراعية في منتهى القوة الجمال، وللسُقيا فقد حفرت إرادة وبأس الرجال الأوائل بئرًا عميقًا نحتاً في الصخر من أعلاه وحتى منتهاه في هندسة مدنية جيولوجية ملفتة، وذلك منذ مئات السنين ولا يزال على هيئته حتى اليوم، وذلك يُعدّ إعجازًا هندسيًا وقوة بشرية وحرفية مهنية.

وبين الأهالي أن سبب هجرتهم من قراهم بأعدادهم الكبيرة ورغم المميزات الرفيعة، هو افتقار القرى للخدمات الأساسية وعلى رأسها سفلتة الطريق الوحيد الموصل للقرى برغم كونه لا يتجاوز 5 كيلو مترات، إلا أن امتناع المسؤولين عن إيصاله منذ عدة عقود وتعللهم بالأولويات التي لم تتغير منذ سنوات طويلة يجعل وصول صهريج الماء للشرب أو إطفاء حريق عند الطوارئ أمراً مستحيلاً، ويُحتّم وجود مركبة رباعية الدفع وقائد محترف للارتقاء للجبل أو الهبوط منه، كما أن وصول عربة الإسعاف قد يُكلّف مستغيثها حياته قبل وصولها ولن تصل بعد ذلك في الوضع الراهن".

وأضافوا: قرى بطحة بني حسين ضمن المواقع النادرة جدًا في الوطن الغالي التي لم تصلها خدمة الكهرباء، والتي بقي أهلها في الظلام الدامس أو بإضاءة فوانيس الفتيل والجاز "الكيروسين" حتى غادروا، ومنذ عدة سنوات أوصل أحد أبناء الجبال الطاقة الشمسية لمزرعة أغنامه، إلا أنه لم يستطع الاستمرار ومجابهة الجبل وأعبائه بعد سنوات من المحاولة فتركها ورحل مجدداً؛ مناشدين أمير منطقة عسير بزيارة القرى لمعاينة أسباب الخلاف بين المسؤولين وأهلها.

وقال المؤرخ أحمد عايض الحسيني لـ"سبق": "قام مجموعات من الرجال من بطحة بني حسين ضمن شوكة الجهاد بالمشاركة لتوحيد كيان المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، وكان يتم اختيارهم حسب الأعداد المعروفة بين القبائل سابقاً، وقاد ربعه الشيخ علي بن عبدالعزيز بن شهوان في بعض تلك المعارك مثل حروب الأدارسة وحرب اليمن، وله قصائد كثيرة في مشاركاتهم تلك، أشهرها قصيدته التي مطلعها:

يالله يالله ياللي تغفر الزلة .. تغفر ذنوب الفتى اللي قد طمى فيها

من طاوع النفس محروم من الجنة..ىوالنفس طمّاعة تتبع شهاويها

سبب التسمية

وأوضح الأديب رافع بن علي الشهري لـ"سبق"، أن بطحة سميت بهذا الاسم نسبةً للبطاح التي تتبقى بها بعد السيول، ولأنها أوسع المناطق الحسينية امتداداً ولكثرة مزارعها التي يطلق عليها (بطاح السقي)، ويُطلق عليها (بطحة العيش) لكثرة إنتاجها الزراعي، والذي يدل عليه كثرة مدرجاتها الزراعية التي لا تُكاد تحصى.

تاريخها وحصونها

وأضاف: "أما مبانيها ودورها وحصونها فتدل على أنها جُددت من سكانها ما بين أربعمائة إلى أربعمائة وخمسين عامًا، وأما مزارعها فتدل على أنها بُنيت بهمة وقوة ومن أولي بأس شديد، فـ"مثاملها " طويلة البنيان وبها من الأحجار الكبيرة الثقيلة ما قد تعجز عن تحريكه الآليات الثقيلة الحديثة، ويدل أيضًا على قِدم قرى بطحة، أن بها مقابر على غير اتجاه القبلة كالموجودة في "حدبة عاد"، فهي متجهة للشرق والغرب، وكأنها من قبل الإسلام".

قرى بطحة وآثارها

وتابع: "بطحة بني حسين" بها عدة قرى ومنها، قرية آل الشميلة وقرية المشرقة وقرية آل كاملة، وقرى آل ثفال أو آل فال، ومن قراها العيز والحدبة والفوقاء وأل ناجية، ومنها قرية آل ياس والتي يقع بها المنزل الرئيسي لشيوخ بني حسين آل شهوان، وقرية القارية وقرية حبوة التي في أقصى جنوب بطحة وقرية آل حراش، وقرية آل مبارك وبها قرية السوداء وقرية آل مبيت".

وأوضح: "تتميز قرية آل الشميلة بسعة مزارعها وغزارة أبيارها، فبها ثلاثة أبيار منها بئر الغمر وهو بئر مشهور بغزارته وقلة نضوبة من الماء، ويبدو أنه ينبع من مناهل بعيدة حتى أن الأمطار إذا هطلت على سراة بني شهر تطفو سنابل الحنطة والشعير على مياهه".

تاريخها قبل الحكم السعودي

وأردف "الشهري": الصلف العثماني والذي كان يستفز الناس ويرغمهم على دفع كرائم أموالهم لم يرق لأحد، فقد حصلت مناوشات وصلت إلى المواجهة العسكرية، فانبرى رجال قبيلة بني حسين ومن ضمنهم آل بطحة، فقاوموا الأتراك وصدوهم عن الصعود إلى جبل ريمان سواء من جهة ختبة أو من جهة بطحة، وبرز هناك أفذاذ كُثر وكل أبناء القبيلة أفذاذ، غير أن شيخ القبيلة في حينها محمد آل شهوان والشاعر الفقيه عضو البرلمان التركي على مستوى بني شهر محمد بن هادي بن لافية، ابن قرية آل الشميلة، صمدوا وقتلوا في الأتراك شر قتلة، ولا تزال مقابرهم شاهدة عليهم حتى اليوم؛ غير أن الخيانة وتربص الدوائر ظلت حتى اعتقل ابن لافية وبن شهوان وأعدما شنقا من قبل الحامية التركية آنذاك".

وبين: "من أشهر رموز بطحة بني حسين الأوائل في الشعر، الشاعر محمد بن لعدل من قرية آل الشميلة، والذي طالت شهرته مناطق رجال الحجر والمنطقة الجنوبية قاطبة، والشيخ الشاعر علي بن عبدالعزيز آل شهوان والذي جاهد تحت راية الملك عبدالعزيز ضد الذين تمردوا جنوب المملكة وله قصيدة مشهورة (يالله يالله ياللي تغفر الزلّة)، وقد رافقه بعض من بني حسين، ومن بطحة محمد بن جابر أبوعسرا مع عدد من الرجال.

واستطرد: "ومن مشاهير بطحة الذين اشتُهروا في زمن الجهل بتعليم القرآن وإمامة الناس في الصلوات: الشيخ علي بن عبدالعزيز آل شهوان الأول، والشيخ علي بن عبدالله آل شهوان، والشيخ علي بن عبدالعزيز آل شهوان الثاني، ومحمد بن مرهق ورمزي بن مرهق -اللذان تعلما في رجال ألمع- وعبدالله بوعياس وابنه حسين أبوعياس، وعبدالله بن محمد "زومان" آل ناجية، ومحمد بن بكري آل مفلح، ومحمد بن ظافر آل الشميلة، وعلي بن أحمد بومدربي".

وأما في العصر الحديث، وبعد أن نشرت الحكومة السعودية التعليم في أنحاء البلاد، فقد اشتهر الكثير من أبناء بطحة، وارتقوا تعليمياً حتى برز منهم أساتذة الجامعات وكبار الضباط والقادة والأطباء والمهندسون والمعلمون والمتميزون في كل مجال مشرف يخدم الدين والملك والوطن ولله الحمد، ولا يمكن حصرهم بالأسماء لكثرتهم.

إلى هنا، ناشد الأهالي أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال بزيارة الموقع لمعاينة الطبيعة الخلّابة وما يقابلها من جفاء المسؤولين والذي تسبب في عزلها تماماً، مؤكدين أن زيارة أمير منطقة عسير ستعيد لها الحياة من جديد، مبينين أن "مطالبهم لا تتعدى سفلتة لطرق القرى وكهرباء تنير منازلها وحصونها وقلاعها الأثرية والتي هي حتماً تشكل اهتمامًا بالغًا من قيادتنا الرشيدة ومن الأمير المنصف".

"سبق" عرضت الاستفسار على مدير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية في منطقة عسير المهندس عبدالله الغامدي الذي اكتفى بقوله: "تم الرفع للوزارة ضمن أولويات المنطقة لاعتماده من وزارة المالية ولكن لم يعتمد حتى الآن، وبانتظار ما يردنا من اعتمادات وفق برامج الوزارة المستقبلية".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org