تُشكل الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين لموسكو في أوائل الشهر القادم أهمية كبرى، ليس فقط لكونها الزيارة الأولى التي يقوم بها ملك سعودي إلى الكرملين منذ تأسيس المملكة على يد المؤسس عبدالعزيز آل سعود (طيب الله ثراه)، ولكن لأهمية التوافق بين البلدين الكبيرين في الكثر من القضايا التي تشغل الساحة العالمية حالياً.
وتأتي زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا لوضع النقاط فوق الحروف على بعض القضايا السياسية والاستراتيجية والاقتصادية المتعلقة بالقضية السورية، وسوق النفط، وكذلك التقارب العسكري السعودي الروسي، فضلاً عن التعاون في مجال الطاقة النووية.
ويعرف البلدان قدر بعضهما جيداً؛ حيث يصف دميتري سوسلوف، نائب مدير البحث في المجلس الروسي للسياسة الخارجية والدفاع السعودية بأنها: "حارس بوابة الشرق الأوسط، التي يمكن أن تفتح أبواب المنطقة أمام روسيا، وسيسمح تحسين العلاقات معها بتحسين علاقات روسيا مع معظم دول المنطقة".
وتعرضت العلاقات بين قطبي النفط تاريخياً للكثير من المنحنيات صعوداً وهبوطاً، وشابها الفتور في بعض الأوقات، وكانت روسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) أول دولة تعلن اعترافها رسمياً بالمملكة العربية السعودية في فبراير 1926م؛ ليتشكل تاريخ طويل من الزيارات الرسمية بين البلدين.
بداية العلاقات الثنائية
البداية كانت زيارة للملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله عام 1932م إلى موسكو في العام الذي شهد إعلان تأسيس "المملكة العربية السعودية"، عندما كان وزيراً للخارجية في عهد والده الملك المؤسس، وفتحت الرحلة الأولى الخارجية للوزير الشاب الذي لم يكُ يتعدى عمره 26 عاماً صفحة في تنامي العلاقات بين البلدين، لكن سرعان ما توقفت العلاقات بعد سنوات قليلة في أبريل من عام 1938م.
وفي عام 1962م سافر الأمير الراحل فهد بن فيصل الفرحان آل سعود إلى موسكو في زيارة استمرت 21 يوما في محاولة إعادة العلاقات الدبلوماسية، والتعاون بين البلدين، وكان يشغل وقتها رئيس أمانة مدينة الرياض، ولكن لم تفضِ الزيارة التي كانت في عهد الملك الراحل سعود والرئيس خروشوف إلى شيء.
جورباتشوف ومحاولة إعادة العلاقات
وبتولي ميخائيل جورباتشوف زمام الأمور في الاتحاد السوفيتي سعى إلى إقامة علاقات قوية مع الخليج العربي، وإعادة العلاقة مع السعودية إلى سابق عهدها، وتوجت هذه الجهود بزيارة وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل عاصمة السوفييت عام 1982 ضمن اللجنة السباعية المشكلة من الجامعة العربية لزيارة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لشرح مبادرة فاس للسلام في الشرق الأوسط. كما اتبعها زيارة هشام ناظر وزير النفط السعودي في مارس 1987 والذي استُقبِل استقبالا رسمياً، واجتمع بكل من رئيس الوزراء السوفيتي ووزير الخارجية.
استئناف العلاقات السعودية الروسية
وبحلول عام 1990م تكررت زيارات الأمير سعود الفيصل للكرملين، وناقش وقتها الموقف السوفيتي من غزو العراق لدولة الكويت، وشهد هذا العام والعام الذي تلاه 1991م استئناف العلاقات بين البلدين، وعودة التمثيل الدبلوماسي رسمياً، وأصبح عبدالعزيز الخوجة أول سفير سعودي لدى موسكو في العهد الجديد من العلاقات.
وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، وقيام روسيا الاتحادية الوريثة الشرعية له، اتخذت المملكة خطوة بالاعتراف بالدولة الجديدة، واستمرار العلاقات المشتركة.
وجاءت أول زيارة رسمية سعودية بعد قيام روسيا الاتحادية في سبتمبر 2003 بوفدٍ رأسه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، والذي كان يشغل آنذاك منصب ولي العهد، حيث كان في استقباله فور وصوله إلى مطار مونكافاتو نائب رئيس الحكومة الروسية فلاديمير ياكوف ليف، وذلك في إطار تعزيز التعاون بين البلدين.
وقد تكون زيارة خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز للعاصمة الروسية مطلع أكتوبر هي الأولى له كملكٍ للبلاد، ولكن سبقها زيارة له للكرملين حين كان أميراً لمنطقة الرياض في يونيو 2006، والتقى حينها الرئيس الروسي بوتين في إطار تعزيز وتطوير علاقات قوية وراسخة بين الرياض وموسكو.
زيارة روسية تاريخية
وحل رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين في فبراير من عام 2007م ضيفاً على الرياض في زيارة رسمية تاريخية هي الأولى من نوعها، أجرى خلالها مباحثات مع الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز تركزت حول التطورات في المنطقة، وبخاصة في العراق، وفلسطين المحتلة، إضافة إلى الملف النووي الإيراني.
وشهد شهر نوفمبر عام 2007م زيارة ولي العهد الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز للعاصمة الروسية لدعم التقارب السعودي - الروسي خصوصاً في مجال العلاقات الاقتصادية والعسكرية.
كسر الصمت
وكسر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فترة من الصمت بين البلدين بعدة زيارات مثمرة للكرملين في 2015 و2017م، التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبحثا فيها الطرفان عدداً من القضايا الإقليمية والدولية، وأكدا على ضرورة توطيد الشراكة السعودية الروسية في عدة اتجاهات، وتجاوز الخلافات السابقة، والعمل على النقاط المشتركة بين البلدين.