"سهيل" أديب "فرسان" وعاشقها المخلص وقصة 4 عقود من التفرد الشعري

"سبق" تعيد قراءة مسيرة الفقيد وأبرز محطاته:
"سهيل" أديب "فرسان" وعاشقها المخلص وقصة 4 عقود من التفرد الشعري

لم يمهل القدر الشاعر والأديب حسين سهيل -رحمه الله- الاطلاعَ على مخطوطه الأخير "ذاكرة الشفق" مطبوعاً والذي وصل في اليوم الأول لرحيل الشاعر الذي رثى نفسه قبل الوداع حينما قال: "رثاؤك أم يكون هنا رثائي، وموتك أم بدايات انتهائي"، كانت تجليات الموت كثيفة وساطعة في قصائد الشفق؛ وكأن الموت يجلس إلى جانب الشاعر وهو يكتب ديوانه الأخير، ينظر إليه ويسأله عن وصيته قبل الرحيل؛ خاصة وهو يكتب على الصفحة الأخيرة من الغلاف "تعيدني إلى الوراء نصف ساعة، حلمت قبل أن أنام، بأن ساعة تدق في الظلام، تعيدني إلى الوراء نصف ساعة ونصف ساعة وعام، وقبل أن أدير وجهها الجميل، عرفتُ أن ساعتي تَغُط في سباتها النبيل بحجة السلام".

غيمة في الذاكرة
حسين سهيل.. كتلة من التفاعلات الإنسانية، وقيمة عالية تبث النبل الإنساني في الأحاسيس البشرية؛ فلم يكن بمقدور أصدقائه أن يتصوروا رحيله المفاجئ، أو أن يجتمعوا دون تواجده بينهم، أو أن يسبح كغيمة في ذاكرتهم؛ ذلك أن الراحل كان حشداً من المواقف الإنسانية، وكان مليئاً بالناس وبالحب وبالشعر، وكان رئداً في المواقف الإنسانية والأدبية، وسباقاً إلى الاحتفاء بالآخرين.

كانت البداية
وُلد "سهيل" غرة رجب عام 1380هـ الموافق 1960 في جزر فرسان التابعة لمنطقة جازان بالمملكة العربية السعودية، درس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة بجزر فرسان، ثم الْتحق بمعهد إعداد المعلمين بجازان، وحصل على دبلوم التعليم عام 1399هـ، ثم الْتحق بالكلية المتوسطة بجازان، وحصل على دبلومها عام 1406هـ.. عَمِلَ "سهيل" في التدريس؛ حيث بدأ مدرساً بالمدارس الابتدائية وتحفيظ القرآن، ثم عَمِلَ مديراً لمدرسة السقيد الابتدائية.

تجربة ثرية
شارك في المشهد الأدبي بفاعلية؛ قامة شعرية كان لها حضور فاعل في المشهد الثقافي المحلي، صدرت له أربعة دواوين: "أشرعة الصمت" ١٤١١هـ، و"للأقمار باب" ١٤١٩هـ، "كسرات فرسانية" ١٤١٩هـ، "ذاكرة الشفق" ١٤٣٧هـ. وله كتاب تحت الطبع عن الأمثال الفرسانية يحوي أكثر من (3300) مثل رَصَدها وجمعها خلال السنوات الماضية. اتسمت تجربته الشعرية والنثرية بالعمق والإبداع، وشكّلت قصائده حالة من التوازن؛ فهو يكتب القصيدة الفارهة الحديثة البناء والتشكيل؛ فقد غيّب الموت الشاعر والأديب حسين محمد سهيل، ابن الجزيرة الشاعرة الملهمة للإبداع، عن عمر تجاوز 56 سنة.

متعدد المواهب:
يتسم الأديب الشاعر حسين سهيل، منذ أن كان فتى يافعاً؛ بأنه متعدد المواهب؛ فهو رسام وخطاط بارع، ومبدع في كتابة النص النثري والشعري معاً، إلى جانب أنه يكتب المفردة الشعبية، ويهتم كثيراً بصياغة الألحان. كان شديد التأثر بأستاذه ومعلمه الأديب المؤرخ إبراهيم عبدالله مفتاح؛ حتى إنه أفرَدَ كتاباً مخطوطاً "أي حسين"، يتحدث عن سيرة أستاذه وأعماله الإبداعية، سيرى النور قريباً.

مع الطلاب
هو من تلك الصفوة التي تقضي سنين عمرها في سطر العبارات التحفيزية للموهبين والموهبات في شتى الفنون داخل وخارج فرسان، وكان يفاجئ أبناءه الطلاب بنشر نصوص شعرية ونثرية وأعمال فنية في الصحف الورقية لطلاب لا يزالون في مهد مرحلتهم الابتدائية، ولا يزال محتفظاً بها في مكتبته حتى بعد رحيله. ومن طباعه أنه كان يؤثر موعداً يلتقي فيه بشاب يافع في الرسم أو صروف الأدب عن لقاءات أخرى تشكّل له أهمية.

ليالي الصيد
امتدت مسيرة حسين سهيل وجهوده الأدبية والشعرية لأكثر من 40 عاماً مثقلة بالعطاء، استحضر جزيرة فرسان كثيراً في أعماقه؛ ليحولها إلى صور متعددة في أعماله، كان مدخلها دائماً هو المدخل الإنساني الاجتماعي؛ فحياة الناس بكل مستوياتها لا تنفصل عن اهتماماته؛ فهو أول كاتب أوبريت لمهرجان "الحريد" السنوي الذي تشتهر به الجزيرة، وكان يشعل القناديل مع الناس لليالي الصيد القمرية في شواطئ "صير" التي أبحر بعيداً عنها قبل عام مودعاً أغنيات النوارس.

نحو السماء
في رمضان من كل عام، كان "سهيل" يبث تهنئاته إلى أصدقائه في كل مكان، ويضرب موعداً لجولة العصر التي يبحث فيها عن بائع البطيخ، ثم يعرج إلى شاطئ الغدير قبيل المغرب، ويطلق حمائم تسبيحه وتهليله نحو السماء. ويجدول زياراته "ما بعد المغرب" إلى معلميه وأصدقائه.

أول قصيدة:
نُشرت أول قصيدة له في مجلة "اقرأ" عام 1400هـ، وسُجلت له العديد من النصوص الشعرية للإذاعة والتلفزيون، كما شارك في إحياء كثير من الأمسيات الشعرية في معظم الأندية الأدبية بالمملكة، وألقى قصائد في عدد من المحافل الرسمية، كما نشر بعض نتاجه الشعري وكتاباته النثرية في مختلف الصحف المحلية والخليجية وبعض المواقع الأدبية على الشبكة العنكبوتية.

وصاياه إلى "رياض":
قال سهيل في وصيته الأخيرة التي تركها لأبنها ودوّنها في يوم الخميس 26/ 12/ 1426هـ: إن قراءته لنبأ تعيين ابنه "رياض" المنشور في صحيفة "الجزيرة"؛ أشعره بسعادة غامرة تهبط عليه من السماء؛ لا سيما وهي تحقيق حلم من أحلامه، وذكر له في وصيته عدداً من الوصايا منها: "تجنّب الحقد والحسد والغيبة والنميمة، وكن صادقاً مع الله ثم مع نفسك، وتجنّب الغرور والكبر، واصبر على ما أصابك إن في ذلك من عزم الأمر".

"النص الأخير"
آخر نص كتبه الراحل قبيل دخوله العناية الفائقة ببضعة أيام فقط.. تعليقاً على صورة أُرسلت إليه لحفيدته "رسيل" وهي تصعد الدرج ملتفتة نحو والدها، وقد سكبت ابتسامة تشبه انسكاب ضوء القمر في تمامه على شاطئ "العشة"، في أول يوم تذهب فيه إلى الروضة:
"رسيل" تصعد الدرج..
تلقي نظرة خاطفة..
وتصعد الدرج.
هذه أول خطوة إلى الصعود يا "رسيل"..
دعيني يا رسيل أبتهج..
دعييييني أبتهج..
لا تنظري إلى الوراء..
واصعدي الدرج.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org