لا تزال "العقيب" التي تربط بين السروات وتهامة عسير، وإن تمت سفلتة بعضها، تحكي جانبًا من التاريخ والحياة التي عاشها مَن سكن المنطقة وارتادها منذ مئات السنين عبر مساراتها القديمة المخصصة للعبور مشيًا على الأقدام، أو عبر الدواب من خلال المسارات الحجرية التي يتم تسويتها ببنائها بالأحجار واستخدام الأشجار في أجزاء منها لحمايتها من الانجراف والسقوط.
وتفصيلاً، يتم انتقال الأهالي عبر المسارات الحجرية من سروات عسير إلى تهائمها والعكس محمَّلين بالمؤن والأغذية ولوازم الحياة، إما صعودًا أو نزولاً سيرًا على الأقدام بين أشجار العرعر وغيرها من الأشجار المختلفة.
ورصدت "سبق" ميدانيًّا جزءًا من تلك المعاناة التي كان يعيشها السابقون؛ إذ سلكت جزءًا من عقبة "القرون" التي يتجاوز طول مسارها ثمانية كيلومترات تقريبًا، التي يجب على سالكها توخي الحذر؛ لأن زلة أي قدم قد تؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه، وخصوصًا في ظل وجود بعض المنحدرات الخطرة.
وقال ناصر الشوكاني، أحد سكان السودة التي تنطلق منها كل من عقبتَي الصماء والقرون، اللتين ترتفعان عن سطح البحر بأكثر من 3000 متر: "عقبة القرون" إحدى العقبات القديمة التي تربط بين رجال ألمع والسراة، وعلى الرغم من أنها ذات مسار رجلي إلا أنها لا تزال حية؛ يرتادها الكثير من الزوار ومحبي الرياضات والمسارات الجبلية.
وأكد المواطن الشوكاني أن العقبة تشهد بصفة مستمرة مَن يحاول استكشافها والتنقل من قمتها إلى بطون أودية وسهول تهامة عبر تلك المسارات الصخرية التي كانت في القديم طريقًا تجاريًّا وسياحيًّا، والخيار الوحيد الذي يتنقل من خلاله أهالي المنطقة ومَن عاش بها هو المشي على الأقدام وركوب الدواب، إلى أن أتت السيارات وشقت عقبة الصماء وغيرها؛ ليختفي المشهد، ويعيده محبو الرياضات الجبلية والهايكنج مؤخرًا إلى الأذهان. وأبان أن عقبة القرون شهدت بطولة للمسير الجبلي، التي تزامن معها إعادة ترميم وتهيئة مسارها في عام 2018م إلا أن الأمطار والسيول جرفت تلك الترميمات رغم أنها لا تزال بصفة يومية تشهد إقبالاً وارتيادًا من قِبل الهواة والمتنزهين.
وعن وجود بعض الغرف المبنية من الحجر والشجر قال "الشوكاني": تسمى "صفف". وما نعرفه نقلاً عن كبار السن أنها كانت تستخدم للاستراحة من عناء ومشقة المشي على الأقدام والتعب الذي ينتاب عابريها.
ويقول الشيخ إبراهيم العسكري لـ"سبق" إن هذه المسارات الجبلية قديمة قِدم التاريخ. وهناك مسارات وعقبات عدة، مثل عقبة الصماء، قبل أن تشق وتمهد وتسفلت بعد أن عرفنا السيارات، لا تزال مساراتها وبعض معالمها مثل "الصفف" منتشرة، وتقع إحداها وسط عقبة الصماء، وأخرى في رأسها مكان التلفريك الآن، فضلاً عما يوجد بعقبة القرون وغيرها، وبها كان ينيخ المسافرون وأهالي المنطقة ركابهم للراحة والاتقاء من الأمطار والصواعق التي تشهدها العقبتان بصورة مستمرة.
واختتم بالقول: نحمد الله أن تبدل الحال، وزال التعب، وعمت الرفاهية، وسهل التنقل بفضل الله، ثم ما شهدته مملكتنا الحبيبة من تطور وتقدم.