هل يتذكر شبابنا وفتياتنا الاحتفاء الإعلامي بالشابة التي تخاف على قطتها من الاغتصاب؟ أم الشاب الآخر الذي يظهر في أفلام أقل ما يقال فيها "لا أخلاقية"؟ أم المراهق الذي يتلاعب به حسناوات أمريكا في منصات التواصل الاجتماعي؟
هل تساءل شبابنا لماذا تستنزف بعض المؤسسات الإعلامية جهدها للبحث عن بعض الفنانين والمغنين ومشاهير منصات الإعلام الاجتماعي من كلا الجنسين، ممن يتلذذون بمصادمة قيمنا ومبادئنا (عمدًا أو جهلاً)، بل التنقيب عنهم لإبرازهم في أشهر برامجها؟!
وهل فكَّر شبابنا لماذا هؤلاء هم من يتصدرون بعض القنوات الفضائية كرموز سعودية مكافحة وطموحة لتنمية المجتمع وتطويره؟!! وكيف تحرص بعض القنوات العربية، التي منها ما تحسب على رجال أعمال سعوديين، على إظهار بعض من يصادم قيمنا في قوالب ومضامين إعلامية "مخفية" كقدوات ورموز مجتمعية، ونماذج تستحق التأسي بها!!
وفي السياق ذاته، هناك قنوات لا تُظهر الشاب السعودي "المحافظ" إلا داعشيًّا أو ساذجًا عبيطًا أو متخلفًا فكريًّا.. هذا إذا لم يكن مكبوتًا جنسيًّا، يبحث عن الحور العين - على حد قولهم - في خلط وتعمية متعمدة!!
وبصورة أوسع وأشمل، لماذا نجد صدامًا حقيقيًّا مع قيمنا من قِبل العديد من المؤسسات الإعلامية عبر الفيلم والمسلسل والحوار والخبر..؟ وهل هذا محض مصادفة؟! أم أنه من أجل التسلية والمتعة لا غير، كما يحلو للبعض قول ذلك؟!
كيف نفسِّر سعي بعض القنوات للتركيز المفرط على الجانب السلبي في المجتمع السعودي، ومحاولة تجنُّب أو إخفاء الصور الجميلة الناصعة لقيمنا وثوابتنا؟! بلا شك، إن مجتمعنا يتملكه القصور والخلل، مثله مثل المجتمعات كافة، لكن هل مجتمعنا بهذه الدرجة من القبح والسوء؛ فلا يوجد فيه حقائق مشرقة، غاية في الجمال والروعة من الشباب والفتيات؛ تستحق أن تظهر إعلاميًّا؟!!
فلماذا لا تريد بعض القنوات العربية أن تظهرهم، ولا تحبذ ذلك، وإن أظهرتهم فبطريقة تقليدية متهالكة؟!
هل تساءل شبابنا عن المغزى والهدف من هذا التشويه المتعمد والمقنن لقيمنا وثوابتنا، مع التركيز على شخصية الشاب "السعودي" و"الخليجي" في المقام الأول، وتوافق ذلك مع الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد والأجندة السياسية الغربية في تناغم وتناسق غاية في الإتقان؟!!
وبعد كل هذه التساؤلات سيظهر سؤال في أذهان شريحة كبيرة من شبابنا عن كيفية مواجهة هذه الحرب الإعلامية الشرسة أمام إعلام محلي ضعيف، لا يقوى على المواجهة؟!!
والإجابة عن هذا السؤال تكمن فيما يمكن ترجمته بمحو الأمية الإعلامية (Media Literacy)، وهو مفهوم جديد، ظهر خلال السنوات الأخيرة في الدول الغربية، يُدرَّس للشباب والمراهقين، بل أصبح جزءًا من المناهج التعليمية في بعض الولايات الأمريكية وبريطانيا وكندا. وقد تبنت هذا المفهوم بعض المنظمات الدولية، كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وهذا المفهوم يشير إلى أنه لا يوجد الآن سلاح أمضى فتكًا في عقول الناشئة والشباب من الإعلام وسطوته، وهو القوة الناعمة التي تستطيع من خلالها أن تنفذ لقيمهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم، وتشكِّلها سلبًا أو إيجابًا كيفما تشاء، إذا ما امتلكت أسرار تلك القوة وخفاياها.
هذا المفهوم يسعى ببساطة لفهم أعمق للإعلام وتأثيره على قيم ومفاهيم وتوجهات وسلوكيات المجتمعات. وهو - كما يقول مركز "محو الأمية الإعلامية الأمريكية" - طريق التعليم للقرن الواحد والعشرين؛ إذ يمكِّن المتلقي من القدرة على فك رموز وشفرات الرسائل الإعلامية، وتحليلها، ومعرفة مضامينها الحقيقية، والسياق الذي وردت فيه. كما يهدف إلى تفسير الرسائل التي يبثها الإعلام، ومعرفة أهدافها القيمية والثقافية والاجتماعية، أو السياسية والتجارية.
ومن أهم ركائز هذا المفهوم، التي يفترض من شبابنا استيعابها بعمق، أن معظم الرسائل الإعلامية، أيًّا كانت وسيلة هذه الرسالة، فيلمًا أو مسلسلاً أو حوارًا أو خبرًا، تكون متشربة بقيم ووجهات نظر صانعيها ومعديها ومالكيها!! بل يتجاوز هذا المفهوم لأبعد من ذلك؛ ليشير إلى أن معظم الرسائل الإعلامية تعد للحصول على الربح و/ أو السلطة، كالسلطة القيمية والثقافية، أو الاقتصادية، أو السياسية.
ومن أسس مفهوم محو الأمية الإعلامية أنه يعرِّف الناشئة والشباب بأن تأثير الرسائل الإعلامية لا يأتي مما يُقال فقط، ولكن من الجزء المخفي من القصة، أو الأهداف غير المعلنة للقنوات والمؤسسات الإعلامية. وما أكثر الأهداف غير المعلنة في إعلامنا العربي!!
وهنا يحق للشباب التساؤل - على سبيل المثال - عن إظهار الشاب السعودي في المسلسلات ككتلة من الغباء والسذاجة، أو قنبلة موقوتة متشددة.. وله أن يتساءل عن الفتاة السعودية المثالية في وجهة نظر العديد من القنوات العربية، ولماذا غالبًا ما يجب أن تكون متحررة تمامًا من حجابها، ومصادمة لقيمها، بغض النظر عن مستوى ثقافتها وعلمها، التي لا يتجاوز الحوار معها أسئلة على شاكلة آخر موضة في الماكياج والفساتين، وآخر فيلم شاهدته، وثمن الساعة التي تمتلكها؟!!
وفي محو الأمية الإعلامية يتعلَّم الشباب ما يسمى بأسئلة "فك الشفرة الإعلامية"، ومنها: من هم صانعو الإعلام؟ ولمصلحة من يصنعونه؟ وكيف يركبون وينتجون المضامين الإعلامية؟ وما هي أهداف تلك المضامين والقيم والمفاهيم التي خلفها؟ وما هو الجزء المخفي منها؟ ثم كيف هم يعبّرون عن الواقع؟ وواقع من الذي يتحدثون عنه؟
ولعلي هنا - وبكل بساطة - أدعو شبابنا لتطبيق تلك الأسئلة على أقرب مسلسل أو فيلم شاهدوه مؤخرًا!!
أدعوكم أيها الشباب من كلا الجنسين إلى أن تكونوا أكثر وعيًا ودراية بمضامين الرسائل الإعلامية التي تظهر في العديد من القنوات والوسائل الإعلامية، وتسعى لاستهدافكم أنتم تحديدًا أيها السعوديون من كل صوب وحدب، ومعرفة ظواهرها وبواطنها، فتأخذوا الأحسن منها، وتنبذوا السيئ منها وراء ظهوركم.
والطريق الأيسر لذلك هو تعلُّم مفهوم "محو الأمية الإعلامية"، الذي ينير الطريق أمامكم، ويزيل الغبش والضباب ومساحيق التجميل؛ لتروا الإعلام على حقيقته. وفي الوقت نفسه يدعوكم لصنع إعلامكم الذي يمثلكم، ويمثل قيمكم ومبادئكم وتطلعاتكم. والطريق أمامكم لم يعد شاقًّا في ذلك، بل أصبح واسعًا وممهدًا؛ فها هي منصات الإعلام الاجتماعي تنافس بعض القنوات الإعلامية، ويبقى عليكم المبادرة والتحدي، ومن ثم الانطلاق.
ومن هنا أدعو مركز الملك سلمان للشباب لتبني برنامج وطني متكامل لمحو الأمية الإعلامية لدى شبابنا، بالشراكة مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، الذي يمكن أن ينبثق منه إنشاء جمعية للإعلام القيمي!!