يطرب البعض للهالة التي يصنعها حوله، وإن كانت زائفة.. ويسعى لأن يكون مهمًّا، وإن كان غير ذلك. أما عن نوع تلك الأهمية، ومدى مصداقيتها وتأثيرها، فذلك لا يهم! ما يعنيه أن يتلذذ بالوهم الذي يعيشه كأحلام اليقظة، متخدرًا بزيف صنعه لنفسه، حتى يصحو مجددًا (وينكشف أيضًا)؛ ليجد نفسه كما تركها!
من ذلك الذي يشتري حسابات من المتابعين الوهميين في مواقع التواصل الاجتماعي (خاصة تويتر وانستغرام)؛ لتكبر الهالة حول اسمه الكريم! ولو كان مستعارًا؛ فيظل يلهث خلف جمع المتابعين وملاحقة السماسرة، وإنفاق ماله وجهده؛ ليتضخم حسابه، ويصبح مهمًّا، ويوهم الآخرين بشخصه وتأثيره، ورأيه السديد الذي له ثقله في المجتمع، وشعبيته وشهرته الخاصة، حتى أن الكثيرين تابعوه وبحثوا عنه!! وإن كانت مشاركته ومشاركة الألوف المؤلفة معه غير مرئية!
وقد تجاوز الوضع نقص الوعي الذي أصبح يعانيه حتى بات يخدع نفسه ويوهمها، ويدخل في منافسة لا داعي لها سوى حب المظاهر والتباهي، والبحث عن التميز الخادع، على غرار شراء أرقام الهواتف المميزة ولوحات السيارات الفريدة! وكأنه سيصبح مميزًا فعلاً حال اقتناء الأشياء التي يعتبرها مميزة! وكأن بالمال نستطيع أن نصنع الزيف أيضًا. أصبح رخيصًا هذا المال إذن؟
المستهجن حين يكون أحدهم محتاجًا للمال فيما هو أهم لضروريات حياته، وتجده يتقشف مرغمًا، ثم ينفق بسخاء على السراب! (على أنني لا أبيح للأغنياء أن يقترفوا ما يريدونه فقط؛ لأن المال يسيل بين أصابعهم!)، مع أن هناك من يقلل من سوء ذلك؛ ففي الوقت الذي يعتبر فيه الكثيرون هذا الفعل نوعًا من الكذب والزيف ومرض النقص الذي يعانيه البعض يرى آخرون أن هذا حرية شخصية؛ فهو ماله، وهو حر! ويعتبر مظهرًا كاللباس والسيارات كما أن لا ضرر مباشرًا منه..
المشكلة أنها أصبحت ظاهرة، واستسهل الناس اقترافها على مختلف الأعمار والثقافة.
والغريب أن أسماء معروفة ومهمة - فيما يبدو - ومع هذا زاد أعداد متابعيها فجأة؛ ما يثير الشكوك حولهم! كما نقصت فجأة مع التشديد من قِبل موقع تويتر (مثلاً)، وذلك بوقف الحسابات الوهمية، وملاحقة السماسرة قانونيًّا (كما يقال).. فإن صدق سيكون ذلك أفضل عمل يمكن الحد به من هذا الزيف..
من المقلق أن تقاس أهمية الشخص بعدد متابعيه؟ (مساكين أصحاب الأعداد القليلة من المتابعين وقد نقصت أهميتهم عند الناس!!)، فماذا عن الذين لا يهمهم الكم بل الكيف؟ هل يسقطون من عداد المهمين! ويقيَّمون بنسبة أقل؟
أتذكر شهقة سمعتها لمتحاورتين حول أعداد متابعيهما، وكلتاهما معروفة. فأما الشهقة فكانت ممن تجاوز عددهم الألف، في حين الأخرى أقل من ذلك بكثير!! فأما شهقة الاستغراب فلأن عدد متابعيها أقل مما يجب!
والسؤال الذي تحتاج إجابته لأطباء نفسيين: لِمَ يتورطون بشراء متابعين لحسابهم؟!
ما هو الخلل الذي يدفع البعض لاقتراف هذا الشراء، وملاحقة زيف الأهمية وادعائها؟! وبالتالي هل يمكن أن نعتبر ذلك مرضًا نفسيًّا، يتطلب العلاج؟ ولِمَ الشعور بالنقص الذي يحتاج لرتقه وإتمامه بطرق ملتوية حتى من شخصيات تحسب على النخبة؟ وأحدهم يخوض منافسة كبيرة مع صاحبه النخبوي الآخر على اعتبار أن تأثيرهما في مجتمعهما يقيَّم بعدد متابعيهما، وليس بقولهما وفعلهما؟
وهكذا تحت أستار الظلام يزيد البعض من توهجه وشهرته، ويتلقى تبريكات المتابعين بزيادة أعدادهم، وتتكرر كلمة الاستحقاق التي يطرب لها، وسيجد ألف مبرر (أو بعدد متابعيه) بجواز ذلك (لنفسه فقط)؛ فهو لن يجرؤ على الاعتراف علنًا بأنه اشترى الوهم والأهمية!
يقول أحد المتابعين: "الفساد ورانا ورانا حتى في هذه المنصات التي أصبحت متنفسًا، ويفترض أن تكون صادقة ولو في عالم افتراضي"!
ويبقى السؤال موجَّهًا لمن فعلها:
لماذا تنفق مالك على الوهم؟ وهل يمكنك أن تعترف بذلك أمام الملأ؟
(خاصة للشخصيات المعروفة)
وتقول فعلاً اشتريت متابعين؟ فإن ملكت الشجاعة قُلْ لنا لماذا؟