"شط الصبايا".. المكان التاريخي الذي سُطرت فيه قصة هند بنت عتبة

من أبرز معالم محافظة فيفاء جنوبي المملكة
بقايا منزل الكاهن
بقايا منزل الكاهن

تحتضن محافظة فيفاء جنوبي السعودية، إرثًا تاريخيًا ومعالم أثرية تعود إلى ما قبل الإسلام، لعل من أبرز ذلك المعالم "شط الصبايا" الذي تعود قصته لقرون، ولا يزال الموقع شاهدًا على تلك القصة التي حدثت للصحابية هند بنت عتبة رضي الله عنها، والدة أحد كتّاب الوحي، وسادس الخلفاء في الإسلام، ومؤسس الدولة الأموية في الشام وأوّل خلفائها، الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

وفي تفاصيل القصة التي حدثت إحدى أهم فصولها في "فيفاء" وكما ترويها كتب التاريخ، أن الفاكه بن المغيرة زوج هند بنت عتبة مشهورٌ بين قومه بالكرم، وكان يتردد الناس على بيته كل حين، وفي يوم من الأيام ذهب رجل إلى بيت الفاكه، ووجد هند نائمة وعاد من حيث أتى، وصادف خروجه من البيت رجوع الفاكه لأهله، فوجد هنداً نائمة، فراوده الشك في زوجته، وأيقظها ليسألها عن ذلك الرجل، لكنها أخبرته بأنها لم تدر بمجيئه، فقد كانت نائمة، فقال اذهبي لأهلك.

خاض الناس في تلك الحادثة حتى بلغت والدها عتبة بن ربيعة، فرجع إليها ليسألها عن صحة ما سمع، إلا أنها أقسمت أنها كانت نائمة وأنكرت ما اتهمت به، ليحتكموا بعد ذلك إلى كاهن في اليمن، ويشدوا الرحال لإثبات صدق قول هند، ويدحض طعن زوجها في شرفها، وتتجه القوافل إلى اليمن، وتجتمع الحشود، وتتضح الحقيقة وينصفها ويبرئها الكاهن، ويقول مقولته الشهيرة: "قومي غير رسحاء ولا زانية، تلدين ملكاً اسمه معاوية".

ويقع "شط الصبايا" في سفح جبال فيفاء، وسمي الموقع بهذا الاسم؛ نسبة إلى صبايا قريش، من بني مخزوم وبني مناف، اللائي كُنّ برفقة هند بنت عتبة عند قدومها للكاهن، أما "الشط" فهي كلمك فصحى تعني جانب النهر، وفي فيفاء تستخدم بمعنى المدرج الممتد والمُطِل.

ويقول حسن بن جابر الفيفي الباحث في تاريخ فيفاء، وصاحب الموسوعة الميساء لجارة القمر فيفاء لـ"سبق"، إنّ "كبار السن في فيفاء، يؤكدون بأن الكاهن الذي حكم ببراءة هند بنت عتبة كان من أهل نافية بفيفاء، حيث دار جزء من أحداث القصة بشط الصبايا الواقع قديمًا في قبيلة المدري بفيفاء وبعض الأماكن القريبة من ذلك الشط كشط إمبر".

يستدل "الفيفي" أن في القِدم، كان يطلق على جنوب مكة اسم اليمن عموماً، ومن مكة وشمال مكة يطلق عليها اسم الشام أيضاً، حيث كانوا يستبدلون لفظة الجنوب باليمن، ولفظة الشمال بالشام، ولذلك يقال الركن اليماني من الكعبة، والركن الشامي من الكعبة بدلاً من الركن الجنوبي والركن الشمالي، ومن المتعارف عليه على وجه العموم أن اليمن اسم جهة، وليس اسم يطلق على كيان سياسي موحد، أي أن مسمى اليمن جهة واسعة جداً، وليس المكان الجغرافي المتعارف عليه في وقتنا الحاضر.

وأضاف "الفيفي": "يذهب الأمر بأن كل شمال مستقبل للشرق فهو شام، وما كان شمال مكة فهو شام، وما كان على يمينه فهو يمن، وفيفاء تقع على اليمين من مكة من جهة الجنوب أي يمن، والقصة تذكر أن هذه المرأة قدمت من الشام (مكة) لأنها تقع شمال فيفاء، إلى اليمن (فيفاء) لأنها تقع في بعض (الجهات اليمانية) من الكعبة".

وأردف "الفيفي" أن "ما يتناقله كبار السن في فيفاء على أن الكاهن من أنافية التي نرى أن هذا الاسم ربما كانت تعرف به فيفاء في بعض الفترات التاريخية، لم يأت من فراغ؛ بل توارثوا ذلك القول عن أسلافهم".

وأبان" الفيفي" أنه كان يوجد في تلك الجهة كهانة عريقة يحتمل توارثهم لها من الجاهلية، مشيراً إلى أن بعض المراجع ذكرت بأن شيخ فيفاء قاسم أحمد المعكوي كان يشتهر بالكهانة، وهو الذي استطاع هزيمة أمير أبي عريش من الأشراف آل خيرات، وبعض من محاربي يام تحت قيادة المكرمي في بعض المعارك الدائرة بينهم، إذ إن هذا الشيخ كان من قبيلة المدري التي كانت أنافية أحد مواطنها قديمًا، في حين يرى الباحث "الفيفي" أنه لا صحة لما نسب إلى هذا الشيخ من الكهانة.

ويعزز الباحث "الفيفي" رأيه بعدم وجود أي قوم يدعون أن هذه القصة حدثت لديهم، وعدم وجود بقعة جغرافية أخرى تعرف بشط الصبايا، خصوصاً في الأماكن والبلدان القريبة من جبال فيفاء، بل إن صاحب شط الصبايا في الوقت الحاضر، قد أبلغه بزيارة أكثر من باحث من اليمن، وآخرهم كان أحد الباحثين من صنعاء للوقوف على شط الصبايا والتعرف عليه.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org