"صفقات القصاص".. سماسرة الدماء وملايين الريالات أنهكت ذوي الدخل المحدود

"سبق" ترصد دفع "ديات" بقيمة ربع مليار في العام الماضي فقط.. ونجران المنطقة الأولى
"صفقات القصاص".. سماسرة الدماء وملايين الريالات أنهكت ذوي الدخل المحدود

- الشيخ "المطلق": العفو يكون حسبة لوجه الله.. ولا بد من نظام يقضي على السلبيات ولا يمنع الإيجابيات.

- الشيخ علي المكرمي: لم نتدخل في قضية الـ 30 مليوناً وندعو الجميع لتحديد مبلغ الدية.

- الشيخ جابر أبو ساق: الديات المليونية لا يقرها عقل ولا منطق وأثقلت كاهل كل فرد.

- الشيخ تركي آل نصيب: ما يشجع المصلحين على طلب المبالغ الطائلة سماعهم عبارات الرجاء والتوسل من ذوي الجاني.

- لجنة الإصلاح بنجران: شهّرنا بـ"سماسرة الدماء" ونطالب بالتدخل لإيقافهم.

شهدت قيمة الديات أو ما يسمى "صفقات القصاص" في قضايا القتل العمد في السعودية ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية تجاوزت الربع مليار ريال "250 مليون ريال" حسب رصد خاص قامت به "سبق" للقضايا التي تم تداولها إعلامياً خلال العام 2015م، والمبالغ المليونية التي صدرت بها صكوك شرعية تقضي بموجبها تنازل ذوي الدم، وقبول الدية.

والسؤال: من يقف خلف مزايدات هذه الديات؟ وما هو الموقف الشرعي والحكومي منها؟ وكيف ينظر مشايخ القبائل والأعيان لها؟ وهل يمكن تحديد مبالغ معينة لا تتجاوزها؟ وما هي أكثر المناطق السعودية دفعاً للديات؟

سلبيات الديات

وعن الموضوع قال الشيخ عبدالله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي بأن "الصلح في دية العمد ورد في السنة النبوية بعهد السلف الصالح ولقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على العفو عند القصاص والعفو يكون على مال أو يكون حسبة لله تعالى وقد أراد الحسن والحسين أن يصالحا عن القصاص عن هدبة بن خشرم الشاعر المشهور عندما وجب عليه حكم القصاص بعهد معاوية، فدفعا لأولياء الدم 7 ديات، ولكنهم رفضوا إلا قتله قصاصاً شفاء لغيظهم وأخذاً لحقهم، والمسألة مقررة، الصلح عن دية العمد مقرر في الشريعة، والله ذكر العفو في القرآن الكريم بقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}.

وأكمل "المطلق": "العفو إما أن يكون حسبة لوجه الله أو على مال، ولكن لولي الأمر لما جعل الله له من السلطة التي تراعي المصلحة العامة، والتي تسمى في الفقه الإسلامي السياسة الشرعية أرى من حقه أن يضع في ذلك نظاماً يقضي على السلبيات ولا يمنع الإيجابيات".

أنهكت المجتمع

إلى ذلك رصدت "سبق" أكثر المناطق السعودية دفعاً لمبالغ الديات؛ فكانت نجران هي الأكبر، والأوفر بهذه المبالغ المليونية؛ فأغلق العام المنصرم بمبالغ تجاوزت 100 مليون ريال، وتعليقاً على الموضوع يقول الشيخ علي حاسن المكرمي، شيخ شمل قبائل المكارمة: "هذه الديات أنهكت المجتمع وأنهكت ذوي الدخل المحدود الذين يدفعون، ويساعدون مالياً حياء دون وجوههم وهم بالحاجة الماسة للمال، ولكن العادات والتقاليد، وحب السعي في عتق الرقاب جعلهم يؤثرون على أنفسهم وعلى أهل بيتهم رغم شح ما يملكون، وهم الشريحة الأكبر تضرراً من هذه المبالغ الكبيرة مما يستدعي بهم السلفة لدفع ما يلحق به من جزء من مبلغ مع أفراد قبيلته".

ويضيف "المكرمي": "نحن نرفض هذه الأحكام الجائرة ولم نقرها بأي قضية كنا بها، ولم نحكم بها سابقاً، وما كان في حكم إحدى القضايا بـ30 مليون ريال فقد حكم بها الشيوخ الوسطاء، ونحن براء منها، ونحن ندعو إلى وثيقة تحدد مبلغ الدية، ويكون أصحاب الدم بين ثلاثة خيارات إما التنازل لوجه الله تعالى أو أخذ دية يتفق عليها ومحددة أو أخذ الحق بحكم القصاص".

الدية حق مشروع

وفي ذات السياق يرى الشيخ جابر بن شرفي أبو ساق، نائب شيخ شمل قبائل آل فاطمة يام، أن هذه الديات المليونية لا يقرها عقل ولا منطق وأثقلت كاهل كل فرد بالمنطقة، والأمل بعد الله في اجتماع أهل الكلمة، والرأي الصالح، وعلى رأسهم أمير منطقة نجران الأمير جلوي بن عبدالعزيز لتحديد الديات، واتفاق كل القبائل بأن تكون الديات محددة، ولا يجوز تعدي المبلغ المحدد بأي شكل من الأشكال.

وكشف "أبو ساق" عن تقدمه بدراسة إلى أمير منطقة نجران على أمل أن تتحول إلى واقع ملموس يحد من المزايدات في الديات ويحد منها بحزم ووضوح.

الرجاء والتوسل

في المقابل يرى الشيخ تركي بن جابر آل نصيب أن "ما يدفع المصلحين ويشجعهم على التوسع، ودفع المبالغ الطائلة هو عند سماع ذوي الجاني جميع عبارات الرجاء والتوسل واستعدادهم لبذل الغالي والرخيص في سبيل عتق الرقبة وإبعادها عن حد السيف، ومهما يكن فالأنفس غالية ولا تقدر سلامتها بثمن". ويضيف "آل نصيب": "الدية حق مشروع لأولياء الدم، ولكن يجب أن تكون في حدود المعقول، والاستطاعة لأنه مهما كان المبلغ، ومهما أراد أولياء الدم إلحاق الضرر والكلفة بالخصم فإن من يقوم فعلاً بالحمل هم عموم القبائل، وهم المتضررون الحقيقيون".

"سماسرة الدماء"

ومن جانبه أكد رئيس لجنة العفو والإصلاح بإمارة منطقة نجران الدكتور حسين بن عايض آل حمد بأن لجنة العفو والإصلاح بالإمارة لا تتدخل بأي قضية إلا بتوجيهات من أمير المنطقة ليتم بعد ذلك العمل والسعي للصلح بين ذوي القاتل والمقتول، ويضيف: "القضايا التي تولينا الإشراف عليها ومتابعتها لم تتجاوز الـ 8 ملايين ريال، ونحن نشجب ونستنكر ما بدر ممن سعى في قضايا تجاوزت 20 مليون و30 مليون ريال مؤخراً، وقد قمنا كلجنة بعقد اجتماع والتشهير بهم وذكرنا للجميع أن هؤلاء قاموا بأعمال مخالفة للتعليمات التي لدينا وبالغوا بالأحكام ولا يمثلون اللجنة".

تجار قضايا

وطالب الشيخ حسين بن علي بن هضبان شيخ قبائل آل حسن بن عيسى الوعلة عضو لجنة العفو والإصلاح بمنطقة نجران الجهات ذات السلطة "بالوقوف في وجه سماسرة الدماء، ومن يحكم بهذه المبالغ التي يحكم بها دون وجه حق"، وأردف بن هضبان: "من يقف خلف هذه المبالغ هم تجار قضايا يستغلون حاجة وموقف أهل من يكون السيف على رقبته، ويتدخلون كمصلح، ولكن مع الأسف هؤلاء مخربون، ومفسدون بالأرض فبدلاً من أن ينفق من ماله، ويطلب بوجاهته يقوم بالتفكير كم يقبض مالاً من هذه القضية".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org