بيان النيابة العامة الأخير بشأن مباشرتها لأي مشاركة تحمل مضامين ضارة بالمجتمع أياً كانت مادتها وذرائعها ووسائل نشرها؛ سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعية أو المحاضرات والخطب والكتب ونحوها؛ جاء متزامناً مع ما ورد من أقوال من البعض بشأن وفاة الفنان عبدالحسين عبد الرضا، رحمه الله. وقد بدأت النيابة العامة فعلياً مباشرتها باستدعاء أصحاب بعض تلك المشاركات، ومن الواضح أن وسائل التواصل الاجتماعية -وفي مقدمتها "تويتر"- ستكون الساحةَ الرئيسية لتلك المواجهة؛ وذلك لما تتضمنه بعض الحسابات في "تويتر" من طائفية وعصبية وعنصرية مقيتة وخطاب للكراهية، يساهم في زعزعة وحدة الوطن ونشر الفتنة والفرقة بين أبنائه.
صباح اليوم وبعد صدور بيان النيابة العامة بيومين؛ كان هناك وسم في "تويتر" وصل إلى مستوى الترند بعنوان "طرش يتزوج مطيرية"، وجاء هذا الوسم ليؤكد للنيابة العامة أن عليها أن تعمل ما في وسعها لتنقية وتوجيه وضبط مسار وسائل التواصل الاجتماعية في المملكة، التي لم يعد كثير منها ذا مناخ صحي أو بيئة خلاقة ملهمة يتم من خلالها تبادل وجهات النظر والاستماع إلى الآراء والأفكار المختلفة وتقديم النقد الهادف والاختلاف وفق أسس الاحترام والتقدير وحرية الرأي؛ في إطار الأنظمة والقوانين؛ بل أصبح بعض تلك الحسابات مصدراً لنشر الأفكار الهدامة والطائفية والعنصرية والتحريض والتشدد؛ بل إن بعضها لم يكتفِ بعدم قبول الآخر أو معارضته؛ بل سعت لإلغائه تماماً؛ مما ساهَمَ في جعل البعض يعتزل تلك الساحة تماماً ويبعد عنها وعن ما فيها.
العنصرية والطائفية من الأمراض التي تنهش في المجتمعات وتعاني منها كثير من الدول؛ بما فيها الدول المتقدمة؛ فبالأمس قال الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي طارئ بالبيت الأبيض: إن "العنصرية شر"؛ وذلك عقب أحداث العنف العنصرية التي وقعت في "فرجينيا" من قِبَل المؤمنين بتفوق العِرْق الأبيض، ووصفتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها "أمر مقزز"، ونحن نعاني من هذه الأمراض منذ وقت طويل، وقد سبق أن قُدِّمَ مشروع لنظام مكافحة التمييز والكراهية لمجلس الشورى عدة مرات؛ غير أنه لم يجد تحركاً من قِبَل المجلس حتى الآن، وكان ذلك النظام يهدف -كما أوضح أحد أعضاء المجلس الذين تَقَدّموا به- إلى حماية اللحمة الوطنية والحفاظ على المكاسب الوحدوية من عواقب ما ينجم عن بث خطابات الكراهية، ونشر النعرات العرقية والقبلية والمناطقية والمذهبية والطائفية والتصنيفات الفكرية والسياسية المهددة للسلم الاجتماعي والإخاء الوطني والإنساني.
أعتقد أن التحرك لمواجهة هذا السرطان الخطير لا يزال دون المستوى من كافة الجهات المعنية؛ على الرغم من قناعة الكثيرين بخطره، وأن ما صدر حتى الآن في مواجهة هذه الآفة لا يزال محدوداً، وقد تأخرنا كثيراً في إصدار نظام تجريم الكراهية والطائفية، ولا بد من اتخاذ خطوات سريعة أكثر جدية وصرامة وحزم؛ فنحن في عصر سلمان الحزم.