لا أشد من هذه الأيام على الآباء قبل الأبناء، حين يتراءى الرسم الأول لمستقبل يرجونه مشرقًا! موسم الأعصاب الملتهبة، والأبواب المغلقة رغم كثرتها!حين يتراكض الآباء في عز الظهيرة وهم صائمون، ويتدافعون بأبنائهم لتلك الجامعة وهذه الكلية، رغم التقديم الإلكتروني!! يهاتفون هذا وذاك (وفي قلوبهم قلق عظيم وحسرة كبيرة من ضياع فرصة القبول في إحدى الجامعات)، حين يكون النفي لسؤال يعودون له دائمًا (حتى وهم يعرفون إجابته سلفًا)، لكنهم ينبشون ذاكرتهم عن شخص ما قد ينفع، ويلقونه بالسؤال ذاته: (تعرف أحدًا؟).
كان الآباء كذلك منذ سنوات. وتعود تلك المعاناة في مثل هذه الأوقات لمجموعة من آباء جدد، لا يدرون هل يفرحون بتخرج أبنائهم من التعليم العام أم يتألمون ويشعرون وكأنهم ابتُلوا ابتلاء كبيرًا! وقد نتأت معاناتهم منذ حفلات تخرج أبنائهم حتى نتائج القبول!!
لكنهم هذا العام وقد أُشيع تخفيض نسب القبول في الجامعات أصبح قلقهم أكثر من أي وقت مضى، وقد اجتاح صبرهم وخوفهم السؤال العالق:
أين يذهب أبناؤنا؟ ولا طاقة لنا بأقساط الجامعات الخاصة، وقد عز الابتعاث أيضًا، ولم يعد ممكنًا!
شبابنا طموح، ويبحث عن فرص مستقبلية متميزة؛ وذلك أدعى لنحتفل بهم، ونسهل لهم تحقيق أمانيهم،ونفتح لهم آفاق التعليم على مصراعيه.. من حق شبابنا أن يتعلموا ما يحبونه، ويمتهنوا ما يميلون له.. إنهم بهذا الحماس يستحقون الكثير منا، كما أن هذا الحماس أبلغ رد على من يصفهم بالخاملين، أو الباحثين عن الرفاهية و(الدلع)!!
فما الذي يحدث الآن في حرم الجامعات والبيوت؟ إن من يضع القرار لم يشعر بحرقة الآباء والأمهات ولوعة القهر لشاب مقبل على الحياة، وما زالت خبرته في الحياة غضة ومزهرة وطموحة، وأمام هذه الأعداد الكبيرة من خريجي الثانوية العامة تصبح المسؤولية كبيرة وثقيلة على وزارة التعليم لإتاحة الفرصة لهم، فإذا أراد المسؤول ضرورة التقليل من نِسَب القبول في كليات معينة (كالنظرية) مثلاً، حسب حاجة سوق العمل، فعليه أن يرفع نسب القبول في الكليات المطلوبة.
كما أن فرض خيار كليات التقنية - رغم أهميته - لا يعني أنها البديل السهل حتى تضم آلاف الخريجين ممن لفظتهم الجامعات!! ولا تعني توافر الفرص الوظيفية وخدمة سوق العمل؛ ذلك أن خريجي تلك الكليات عاطلون عن العمل حتى تاريخه!! وهل قلة الفرص الوظيفية للخريجين يعتبر سببًا كافيًا لحرمانهم من إكمال تعليمهم؟ والاكتفاء بالتعليم الثانوي والجلوس في البيت أو البحث عن مهنة بسيطة، لا يمكنها أن تعينه على بناء مستقبله وبناء عائلة (وفتح بيت فضلاً عن تملُّكه؟!!).
هؤلاء الشباب وهم قريبو عهد بمراهقة واندفاع شديدين كيف يتم احتواء نشاطهم وإحباطهم؟ خاصة أنهم يرون بعض زملائهم وقد حجزت لهم خيارات عديدة، يمكنهم الحصول عليها بسهولة فائقة!!