يرصد الكاتب والدبلوماسي السعودي تركي الدخيل تاريخ دخول الأرز إلى السعودية ومنطقة الخليج، حتى أصبح الوجبة الرئيسية بهذه المنطقة رغم أنه لا يزرع فيها، لافتًا إلى ثلاثةَ من رجال العقيلات كانوا من أوائل من أدخل الرزَّ لنجد، أما الحجاز، فجاءَه بالرزِّ حُجاجُ آسيا الوسطى، وشبه القارة الهندية، فالطبيعي أن يكون الحجازُ أقدمَ عهداً بالرزِّ من نجد.
وفي مقاله "الرُّزُّ طبق السعوديين الأول بعد العِز!" بصحيفة "الشرق الأوسط"، يرصد الدخيل اتفاقَ دول الخليج على أن وجبتَهم الرئيسية هي الأرز، رغم أنهم لا يزرعونه، ثم يتساءل: " كيف دخل الرزُّ إلى الجزيرة العربية، والسعودية بخاصة، ونجد تحديداً، حيث كان الناس يعتاشونَ على ما يزرعونَه من حنطةٍ وبُرٍّ وشعيرٍ وتمرٍ، ونحوها؟.. في السعودية، لم يَعرِف الرُّزَّ، مع بدايات التأسيس، إلا الأثرياء، فيجلبونَه من العراق، أو الهند، واليوم، لا تكادُ مائدةٌ خليجيةٌ تخلو منه يومياً!".
أول من أدخل الرزَّ لنجد
ويجيب "الدخيل" قائلاً: " مؤرخُ العقيلات، الأستاذ عبداللطيف الوهيبي، ذكر ثلاثةَ من رجال العقيلات كانوا من أوائل من أدخل الرزَّ لنجد، أحدهم العقيلي عبدالرحمن بن حمد البسام، قدم والده لعنيزة عام 1179 هـ، فجلبَ من الهندِ عدداً من البضائع بينها الرُّز، فاعتبره الوهيبي في حديث للكاتب: (من أوائل من جلب الرز للقصيم. وكذا العقيلي، محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن حمد البسام، الذي كان يتاجر بين الهند والخليج والقصيم؛ (من أوائل من جلب الرز للقصيم). ثم العقيلي، محمد بن صالح العسافي آل أبو عليان، (1220 - 1310هـ)، الذي اعتبره الوهيبي أيضاً: (من أوائل من جلب الرز للقصيم)".
وعن الحجاز، يقول الكاتب: "أما الحجاز، فجاءَه بالرزِّ حجاج آسيا الوسطى، وشبه القارة الهندية، فالطبيعي أن يكون الحجازُ أقدمَ عهداً بالرزِّ من نجد.. شارك الحُجَّاج والمجاورون للحرمين الشريفين، من أصول آسيا الوسطى والهند ونحوها، في الإسهام بنقلِ الرزّ، كما أضافَ عليها حجاج متنوعو الأصولِ، باختلاف ثقافاتهم، بُعداً ثرياً، وجمالياً، فأصبحت هذه الأكلات، طبخاتٍ حجازيةً، وبالتالي سعودية، في صورة من صور تلاقح الشعوب، وتواصل الثقافات".
ويضيف "الدخيل" قائلاً: "في الخمسين سنة الماضية، أصبحّ الرزُّ الطبقَ الرئيسيَّ للمائدة الخليجية، والسعودية بخاصة. لذلك ولما يزيدُ على عقدين من الزمان تقريباً، فالسعودية إحدى أكبرِ خمسِ دول تستورد الرزَّ سنوياً، وبلغَ متوسطُ استهلاكِ الفرد السعودي من الرز، نحو 47 كغم سنوياً، في إحصائية ظهرت 2017".
ويرصد "الدخيل" كيف تعد المعلمات طبق الكبسة للأسرة، ويقول: "كانت مطاعم البخاري، لا تخدم عادةً إلا الفئةَ المتوسطة، وما دونها، اقتصادياً. ولكونِ الحاجةِ تفتقُ الحيلةَ، فمع تعليمِ المرأةِ بالسعودية، ثم عملها في التدريس خصوصاً، واجهت المعلماتُ مشكلةً في تحضير الغداءِ لأسرهن، فورَ خروجِهم من الدوام، وجرتْ محاولاتٌ للتحايلِ على الإشكال، بتحضيرِ نصفِ الطبخة ليلاً، كقلي البصلِ والطماطمِ، ثم إضافة الدجاجِ عليه، وفي اليومِ التالي يسخَّنُ ما طُبخ، ويُطبخ الرزُّ على مرقة الدجاج. كما استخدمَ البعضُ لطبخ الرُّزَ قدرَ الضغط، الذي يعجِّلُ وقتَ الطبيخ".
وينهي "الدخيل" قائلاً: "في الثمانينات الميلادية هَبَّتْ ظاهرة، كأنَّها خُلقت للمعلمات، إذ افتتحت مطاعمُ للأكل الشعبي، على مستوى راقٍ من الخدمات، والذوقِ الرفيع، وباتت تقدّم كلَّ أنواعِ الطبخِ السعودي، كالسليق، المشهور بمكة والطائف، والجريش، والقرصان، المشهورين بنجد، بالإضافة إلى الإضافات الحضرمية على المطبخ السعودي، المتمثلة بالمندي، والمظبي، والحنيذ، والمدفون، والمضغوط. وحينَها ظهرَ طبقٌ أظنُّهُ كانَ مُبتَكراً، وهو (المثلوثة)، حيث يُوضَعُ الجريشُ في إناءِ التقديم، ثم فوقَه القرصان، ثم فوقَه الرزُّ، مع اللحمِ أو الدجاج. كانت هذه المطاعمُ، التي أبدع أوائلُ من طرح فكرتَها في الخروج من الصندوق، استثمارَهم، كانتْ نصيراً للمرأة العاملة، وانحسرت الخلافاتُ بين الزوجين إثر دعوته ضيوفاً في وقتٍ متأخر، فهذه المطاعم توفّر الوجبات للعشرات على الفور، و(مثل طبخ البيت)، كما كانَ شعارُ أحدِ أشهرها".