منذ خمسة وعشرين عاماً وأنا أزور تركيا بين فترة وأخرى، وأرى -كما يرى غيري- ما يحدث من تغيير عجيب على الأرض، إلى درجة بسيطة، ربما نشعر بها الآن؛ وهي انخفاض هائل في نسبة العمالة التركية التي تعمل في السعودية؛ إلا من أعداد محدودة من الحلاقين مثلاً الذين نعرف جميعاً أنها محلاتهم، وأنها مشاريعهم الصغيرة غالباً بواجهة كفيل سعودي تستّر من أجل مبلغ شهري يساعده في تخدره كسعودي في عهد النفط.. ودعوني أذكر معكم أن أجمل جملة أنتجتها السياسة؛ هي أنها "فن الممكن"، وهذا محور مقالي هنا حول تركيا وما يحدث من نجاحات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث يختلف الكثير من محيطه الإسلامي مع توجهاته السياسية؛ إلا أن إنجازاته التركية لا يمكن الشك بها.. أجمل ما شعرت به وأنا أُعِد هذا المقال؛ أنه لا رأي يسود فوق الحقيقة؛ فالأرقام ترسم خريطة الطريق بمفردها، بعيداً عن التحليلات السياسية التي يقول بعضها إن تركيا تتجه ناحية الديكتاتورية، والبعض الآخر يقول إن الديمقراطية بالنسبة إلى أردوغان حافلة يستقلها ولكنه سوف ينزل منها عند وصوله إلى المحطة التي يريد؛ لذلك فالحديث عن أردوغان من السهل أن يكون مستنداً إلى حقائق وأرقام ممتعة جداً؛ من حيث الوزن الكمي للإنجازات الإنسانية مقسومة على عامل زمني مدته 10 سنوات:
· وصل الناتج القومي لتركيا في عام 2013 إلى ترليون ومائة مليار دولار، وهو يوازي اقتصاد السعودية وإيران والإمارات.
· قفز ببلاده من المركز الاقتصادي 111 إلى المرتبة الـ11، بمعدل 10 مراتب سنوياً؛ مما يعني دخوله إلى نادي العشرين الأقوياء الكبار في العالم. وفي عام 2023 يقول أردوغان: إنه سيكون الدولة الأقوى في العالم.
· في عشر سنوات زرعت تركيا تقريباً 3 مليارات شجرة مثمرة.
· تركيا صنعت في عهده أول دبابة مصفحة، وأول ناقلة جوية، وأول طائرة بدون طيار، وأول قمر صناعي عسكري.
· في عشر سنوات تم بناء 510 مستشفيات، و125 جامعة، و189 مدرسة، و160 ألف فصل دراسي جديد.. ولا ننسى أن التعليم حتى الآن مجاني في تركيا، وبلغت ميزانية التعليم أعلى من ميزانية الدفاع، وجعل راتب المعلم بقدر راتب الطبيب.
· خلال عشر سنوات تم رفع قيمة العملة التركية إلى 30 ضعفاً.
· محاولات تفريغ 300 ألف عالم من أجل البحث العلمي.
· إنشاء 35 ألف قاعة مختبر لتكنولوجيا المعلومات.
· الديْن التركي يوازي صفر.
· أعاد تدريس القرآن والأحاديث بعد منعها تسعين عاماً من الحكم الأتاتوركي.
· منح حرية الحجاب في الجامعات وفي جميع الوظائف الحكومية والخاصة.
هذا هو أردوغان الذي يحبه البعض، ويكرهه البعض الآخر؛ وسواء اتفقنا معه أم لا نتفق فيما يتعلق بالتوجهات السياسية؛ إلا أن إنجازاته تبقى ملهمة ومؤثرة. وبعيداً عن كل هذا نقول إننا فعلاً نرى تجارب رائعة ومهمة حول العالم؛ سواء في تركيا أو سنغافورة أو ماليزيا أو كوريا الجنوبية.. وكل هذه التجارب تُشعرنا بالأمل أن التغيير والتحول إلى مجتمع منتج ومؤثر ومصدّر ومحرك للاقتصاد الذي حوله؛ أمر ممكن جداً.