حينما تنظر إلى واقع المكان في عنابر سجن أبها، تجد أنك أمام الواقع الذي ستشاهده من خلال جولة تأخذك إلى عنابر هذا السجن الملفت؛ للنظر في سياسته التهذيبية والاجتماعية والتربوية، وإذا ما قورن سجن أبها بسجون أوروبا مثلاً على اعتبار أن المساجين لا يلقى لهم بال وكأنهم قطيع أغنام، كيف بحال سجناء الشغب والإرهاب والمهددين لأمن الوطن الأوروبي! فيعاملون بأقسى صنوف الحذر والشدة والمهانة.
من الرياض دُعينا إلى سجن أبها؛ حيث تَخَرّج عدد من الموقوفين في سجن المباحث لنيْل شهادة "البكالوريوس" في تخصصات عدة من جامعات ثلاث بينها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.. ضيافة عالية المقام، ترحيب واهتمام من ضباط السجن وأفراده.. انطلقنا من المطار الخاص إلى أبها وضباط كانوا في قمم الوفاء والسلوك، لكم أن تتخيلوا حكايتنا ومعي (د.عبدالإله السيف وكيل عمادة التعلم الإلكتروني بجامعة الإمام، والمهندس أسامة اليحيى، والمهندس عبدالعزيز الجليل، والمهندس خالد العريفي، والإعلامي الزميل مشاري العنزي). دعينا من وزارة الداخلية ممثلة في الإدارة العامة للمباحث العامة مشكورين لحضور حفل التخريج، كان بصحبتنا العميد عبدالله العمري مساعد مدير عام سجون المباحث العامة، والعميد محمد علي الأسمري أبو سلمان مدير عام العمليات في سجون المباحث، والمقدم عبدالله البراك أبو طلال، في طريقنا إلى أبها ذات الصبغة الطائية في الكرم والضيافة وحسن الوفادة.
رجال أبها يُخجلونك بالكرم والترحاب وإلقاء الكلمات الترحيبية كمبدأ في تعاطيهم مع الضيوف.. دخلنا فناء السجن بعد سير دام نصف ساعة من المطار بأبها التي زينها عريسها (فيصل بن خالد) أمير المنطقة بروحه الدمثة والخلاقة، وكم كنا نتمنى الالتقاء بسموه؛ لكننا ندرك المشاغل الجمة لسموه، طامعين أن نلقاه قريباً لننقل صورة وطن لقينا فيه من الخيرات ما يدعو للفخر، عبر مسيرة خاصة؛ (حلم) لو كنا نَصِفُ هذا العمل الجميل من رجالات المباحث العامة الكرام.
دخلنا السجن في ضيافة الاستقبال الخاصة، وإذ بالحنيذ والعريقة وما تشتهي النفس مما لا نعرفه من أكلات أهل عسير الكرام، في وجبة إفطار صباحية، لم نشعر أننا بين ضباط أمن أو أفراد؛ بل كلهم في وفادة واحدة وخُلُق كريم.. شبعنا -بحمد الله- من العسل المصفى وأنواع الخبز المشتهر به أهل عسير، ورجالات ألمع، وبني شهر، وشهران، وباللسمر، وباللقرن، والعمري، وقحطان، وعائلات وأسر كثيرة ترفع همم الرأس.
بعدها وقفة كرم في مجلس هُيّئ لاستقبال ضيوف سجن المباحث العامة في أبها، شُيّد بطراز فاخر ضم العديد من أبناء عسير ومن مسؤولي القطاعات الأمنية والشرعية والحكومية والتعليمية.. كنا نمثل فيها جامعتنا بتوجيه من معالي الشيخ الدكتور سليمان أبا الخيل عضو هيئة كبار العلماء ومدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي وجّه وحرص على أن نحضر هذا الحفل التخريجي ونكون سباقين إليه؛ حيث وجد معاليه كل شكر من رجالات سجن المباحث العامة، ونحن أيضاً حُفّزنا من سعادة عميد التعلم الإلكتروني الدكتور عبدالعزيز العامر، بأن نقدّم لمنظمي الحفل كل مشاعر تجاه هذا الصخب الجميل، ولولا ظروف العمل لحضر بنفسه.
تجمّع الضيوف فأخذونا إلى جولة في سجن المباحث لنشاهد الأزقة والأفنية الفاخرة التي شُيدت لإقامة المحكوم عليهم بطريقة تهذيب ورغد عيش وأجواء مناسبة لتهذيبهم والاستفادة من عودتهم مستقبلاً لخدمة الوطن بدلاً من هدم صوامعه؟
غرف فاخرة ونظيفة باحترافية، فيها كل ما يحتاجه النزيل، وزيارات عائلية، ومبيت أسري، وملاعب ترفيهية، ومعامل لتفريغ الطاقة في هوايات الرسم والخط وصنع القوالب الفنية، والأغذية من أجود أنواع المأكولات الصحية، ومطبخ ضخم وفاخر جداً يحتوي على أنواع كثيرة من الأواني، وطهاة مهرة وشيف متنوع، ومغاسل للثياب بصورة منظمة وبأدوات راقية من أنواع الصابون، وعنابر مجزأة؛ شدنا فيها عنبر المثاليين الذي يحتوى على أماكن للترفيه، وخيمة استقبال، ومكتبة للقراءة، ومعمل رسومات يديره الموقوفون المثاليون بكل خلق وتميز، وفيه أيضاً كبينة للاتصالات العائلية بجدولة منظمة، وضيافة خاصة للضيوف لهذا العنبر من قِبَل الموقوفين المثاليين؛ لقضاء وقت فراغ يفيدهم.
يحتوي سجن المباحث في أبها على مستشفى متعدد التخصصات وغرف للتنويم وغرف للعمليات والأشعة، وصيدلة متكاملة مجانية، وصالة ألعاب يمارس فيها الموقوف هواياته في كثير من الألعاب.
والموقوفون برغم أخطائهم التي وقعو فيها؛ إلا أن معنوياتهم مرتفعة ومحفزة بفضل العناية بهم وحسن التعامل معم من قِبَل إدارة السجن في أبها الذي يديره المقدم أحمد عبدالوهاب عسيري، والمقدم سعيد عايض القحطاني، وزملاؤهما من ضباط وأفراد، نجحوا بفضل كفاءتهم الإدارية والمعنوية في تغيير الصورة الذهنية عند كل مَن حضر هذه المناسبة، وهم يتلقون التعليمات والتحفيزات من قائدهم اللواء محمد الفويرس مدير عام سجون المباحث الذي يتمتع بأخلاق كريمة وتعامل راقٍ أوجد لهؤلاء الصلاحيات بالعمل الجادّ تجاه مَن غرر بهم أو مَن وقعوا في فخ الفكر المنحرف تجاه دين ووطن، نثق بأنهم من خلال جهد المناصحة في السجن بأبها الذي يقوده أحد علماء الوطن وفيه الشيخ جبريل البصيلي ممثلاً عن مركز محمد بن نايف للمناصحة.
تجاوز بنا ضباط المباحث إلى ما يسمى بالسجن، في ذلك الحفل الجميل، الذي رسم أولياء أمور المتخرجين فيه مشاعرهم الجياشة وهم يرون أبناءهم المهذبين في السجن يحملون شهادة بكالوريوس بفرحة عارمة لعلها تكون سبباً في التعايش السلمي مستقبلاً، وتكتمل بهدايتهم وانقضاء محكوميتهم.
الحفل كان منظماً ومتميزاً، وفيه لمسات رائعة من التنظيم وانسيابية عالية، وُفق فيها ضباط وأفراد أبناء أبها في سجن المباحث العامة بكرم ضيافة راقية.
السجين يلقى أرقى صنوف التعامل والرقي في تنويره بكل مسلمات الحياة.
الداخلية يسمو ضباطها الكرام بعناية أمير الأمن الأول ووائد القاعدة وداعش الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، برقي في التعامل مع ضيوف أبها؛ حيث تجاوز بنا أولئك الضباط إلى "عقبة الضلع"، تلك المساحة من الأجواء الجميلة ومآدب العشاء بين المضبي والمندي والطهي الخاص الذي أعده رجالات السجن كتعبير خاص عن ما يمتلكه العسكريون من أخوة وتواضع جم.. الأب أحد كبار السن العاملين بالسجن والمتشبب -بحمد الله- بعافية، يطهو لنا العشاء في تلك العقبة وذلك المجلس الفاخر المعد، وتلك القهوة الجنوبية تحك الرؤوس من جمالها، وتلك البشاشة والترحيب ما بين العميد أبو سلمان الأسمري الذي صَحِبناه في رحلة عشاء قبلها بيوم، تذوقنا ألذ صناعة للمندي في طعم شهير في آخر عقبة الضلع؛ حيث الحرارة المرتفعة لتصل 28 بارتفاع عن علو عقبة الضلع بعشر درجات.
تجوّل بنا أبناء أبها في متحف رجال ألمع وعقبات جبلية خيالية لا أعرف أسماءها، أتحفونا بكرم وحب ومصاحبة تُذَكرنا بما يحمله قائدهم الفتي معالي الفريق "عبدالعزيز الهويريني"، الأب القياسي والزمني الأول في تعامله وتطويره لنوعية الضباط وتغيير المفاهيم عن سجون المباحث التي حاول أعداؤنا تزييف الحقائق وبعض المنظمات الحقوقية، التي تناست غوانتنامو وغيرها من السجون المدججة بأصناف التعذيب كما هو حاصل في سجون غريب والمد الصفوي الملالي الأهوج.
شكراً أسد الأمن "محمد بن نايف"، الذي نتمنى أن نمد يدنا لنقبل رأس سموه على هذا الصخب التهذيبي، كم هي مشاعرنا أن نحكي له عن قرب.. وشكراً للفريق "الهويريني" ولسجون أبها، ورئيسهم "الفويرس"، وللمقدم "البراك" الذي كان معنا طوال الرحلة يتلمس احتياجاتنا، والعميد "العمري"، والعميد "الأسمري" مضيفنا ومصاحبنا في كل لحظة.. فمني ومن زملائي (د.السيف، واليحيى، والجليل، والعريفي، ومشاري العنزي)، ومن هذه الجريد "سبق" الخيرة التي رعت المناسبة بحضور مميزها الزميل عبدالعزيز العصيمي ممثلاً لصحيفة "سبق" الصاخبة والسباقة.
سجون المباحث بالرياض على موعد قريب بحول الله لتخريج عدد كبير من النزلاء حينما يُمنحون من جامعة الإمام بعمادتها التعلم الإلكتروني، شهادات بكالوريوس وفق تنظيم مشترك بين الجامعة وعمادتها وبين الإدارة العامة للمباحث، برعاية كريمة من سيدي ولي العهد؛ هي رسالة للعالم من قيادة الوطن سيدي الملك وعضديه: ماذا يجد سجيننا أيها الشرفاء؟
دام أمننا بخير..