انطلقت الجلسات الحوارية في اليوم الأول لقمة الاتزان الرقمي "سينك" التي يعقدها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) على مدى يومين (29- 30 مارس 2022م)، بمشاركة نحو 60 متحدثًا من حول العالم، لبحث كيفية حماية الأفراد من الأضرار التقنية عبر أنظمة وتشريعات دولية تتعلق بحدود الاستخدامات الرقمية للمجتمعات.
وقدّم المتحدثون المختصون مقترحات للحدّ من مخاطر التقنية، من أبرزها ضرورة وضع آليات وتفعليها عبر رقابة وسياسات حكومية، وإيجاد بيئة رقمية بطابع معرفي رقمي ذات سياسات واستراتيجيات واضحة، إلى جانب الاعتدال باستخدام التقنية، معوّلين في الوقت ذاته على التربية المنزلية لتعزيز مبدأ الرقابة الذاتية، فضلًا عن التوصية بإصدار تشريعات وأنظمة حكومية.
واستعرض مدير المركز عبدالله الراشد خلال كلمته التي استهل بها أعمال القمة، الأضرار الناجمة عن التغلغل التقني، في الوقت الذي أكد بأن "التكنولوجيا باتت متلازمة حتمية، ونتعامل معها خارج عن إرادتنا ومن الصعب تحديد آثارها بأنها جميعها سلبية، لذلك لابد من الالتزام أو ما يسمى بالاعتدال الرقمي"، مشيرًا إلى مستقبل الناشئة والمؤثرات المتسارعة الناجمة من الإفراط التقني الذي يتطلب تدخلًا علاجيًا لبعض الحالات، لاسيما أنه يتسبب في فقدان اللغة والتشتت الذهني، معوّلًا على التربية المنزلية لتعزيز مبدأ الرقابة الذاتية.
وكشفت جيتانجالي راو المبتكرة والمؤلفة وأول طفلة في مجلة التايم لعام 2020 (طفلة العام 16 سنة) التي حاورها رائد الأعمال أنس بوخش، عن العلاقة التي تربطها بوسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن قيادتها للتغيير عبر الذكاء الاصطناعي للحدّ من التنمر الإلكتروني، وقالت: "وسائل التواصل الاجتماعي أداة ليس لها مشاعر تصنع الاختلاف".
في حين لفتت مديرة مختبر الألعاب العاطفية والعقلية في جامعة ماكماستر (كندا) الدكتورة إيزابيلا غرانيك إلى أن العالم يعيش ثورة تواصل إلكتروني أكثر من أي وقت مضى، مضيفة "من 2- 3 ساعات يوميًا متوسط الراحة من التواصل التقني وهذا ضئيل وخجول للغاية".
واستكمل كبير مسؤولي الأعمال السابق لجوجل إكس محمد جودت، الجلسات مشددًا على دور الحكومات وصانعي السياسات لأخذ ظاهرة الإفراط الرقمي على محمل الجد بإصدار تشريعات وأنظمة، فيما أقر رئيس أصداء بي سي دبليو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (الإمارات العربية المتحدة)، سونيل جون بأن هناك 3 مليارات من سكان العالم ليس لديهم وسائل تقنية ومنعزلين عنها بسبب "الفقر"، مشيرًا في الوقت ذاته وبحسب دراسات رسمية أن متوسط عدد الساعات التي يجلسها الشباب أمام الشاشات المرئية 8 ساعات ما تسبب في ازدياد التشتت والإدمان الرقمي.
ووجه أصابع الاتهام إلى الشركات المعلنة؛ لعدم وجود ضوابط وأنظمة قانونية لردع التمرد الرقمي، مبينًا أن "منصات التواصل الاجتماعي مصممة من أجل جني الأرباح وعلى الجميع إدراك تلك الحقيقة".
وتوصلت الجلسات الأولية إلى ضرورة وضع آليات وتفعليها عبر رقابة وسياسات حكومية، إلى جانب فرض بيئة رقمية بطابع معرفي رقمي ذات سياسات واستراتيجيات واضحة، تسهم في دعم الأبحاث، من أجل علاج الإدمان الرقمي والتفكك الاجتماعي، وذلك عبر استقطاب الشباب ودمجهم بالمجتمع ناهيك عن توظيفهم وتدريبهم فضلًا عن منحهم مساحات مع أصحاب القرار ليقودوا مستقبلهم ورؤيتهم الواعدة.
وتواصل القمة أعمالها لمدة يومين متتاليين بمشاركة وزير الاتصالات وتقينه المعلومات عبدالله السواحه، ورئيس الاتحاد السعودي للرياضة الإلكترونية الأمير فيصل بن بندر بن سلطان آل سعود، والمندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو الأميرة هيفاء آل مقرن، ونخبة من الخبراء العالميين.
كما نتج عن الجلسة التي حملت عنوان "تحقيق التوازن الرقمي- وتصميم وسائل التواصل المسؤولة" والتي شارك بها رئيس قسم علم النفس الجزيئي في جامعة أولم بألمانيا البروفيسور كريستيان مونتاغ وأكاديميون ومختصون في علم النفس، آلية الاعتراف ببعض جوانب الإدمان الرقمي كأمراض رسمية من قبل منظمة الصحة العالمية كاضطراب الألعاب الرقمية، مؤكدين أن "قرابة نصف سكان العالم واثقون بأنهم سيكونون قادرين على رعاية مشكلات الإدمان الرقمية بأطر عالية الجودة وبأسعار معقولة متى ما احتاجوا إليها، متوقعين من حكوماتهم أن تتصرف بشأن هذه القضية".
كما بحثت جلسة "علم نفس التقنية" والتي شارك بها رئيس وحدة الرؤى السلوكية في وزارة الصحة الدكتور محمد الحاجي، وأستاذ العلوم السلوكية في كلية لندن الاقتصادية، المملكة المتحدة البروفيسور بول دولان، العوامل النفسية والسلوكية التي تتأثر مع استخدام التقنية، وكيف يمكننا استخدام هذه الأفكار لتصميم تقنية واعدة، فضلًا عن التأثيرات السلوكية التي باتت تشكل وعاءً ناقلًا يؤثر على الاتزان الرقمي، لاسيما أن علم النفس له دورًا رئيسيًا في كيفية ارتباطنا بالتقنية بدايةً من تصميمها إلى مدى تعرضنا للمخاطر الكامنة في استخدامها.
واستشهدوا بالعديد من القصص الواقعيّة التي وصفت العلاقة المعقدة بين الأفراد من الفئات العمريّة كافة والتقنية وأبعادها، ومدى تأثيراتها الحالية والمستقبلية على تحقيق الاتزان الرقمي.