#كانوا_معنا: نواف بن عبدالعزيز.. أمير الدبلوماسية ومهندس الصفقات السياسية التاريخية

دبلوماسيون قالوا: لو كان حاضراً لاستمعنا منه لتحليل لما يجري في العالم
#كانوا_معنا: نواف بن عبدالعزيز.. أمير الدبلوماسية ومهندس الصفقات السياسية التاريخية
تم النشر في

 ضيف استثنائي، هذا الذي تشرف باستضافته زاوية "كانوا معنا" في آخر حلقاتها التي تطرقت لأبرز الشخصيات الوطنية الشامخة ممن ودعونا وانتقلوا إلى الرفيق الأعلى، قبل أن يعيشوا معنا لحظات هذا الشهر المبارك ليتركوا أثراً عظيماً في نفوس المقربين.


صريح مع نفسه والآخرين
فقد نعى الوطن منتصف ذي الحجة الماضي أحد رجالاته الأوفياء المخلصين بعد أن قدم تضحيات مشرفة في سبيل خدمة الوطن والمواطن والأمة العربية والإسلامية، أخلص لكل القضايا التي وضعها التاريخ بين يديه، عاش كريماً مخلصاً لدينه ووطنه، وحفر في الذاكرة الاجتماعية حب الناس وحب الخير، وأنت تستمع لشخصية فقيد الوطن صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن عبدالعزيز -رحمه الله- والذي قال عنه المقربون إنه كان واضحاً وصريحاً مع نفسه ومع الآخرين متصالحاً مع الذات ومع الناس ومع أصحاب المسؤولية والقرار جريئاً بنقاء وطهر، معجوناً بتراب هذه الأرض والإرث النضالي وكان لا يساوم على قناعاته ولا يمارس التقية في آرائه وأفكاره، بل يتناول ما يعتقد أنه خلل بشجاعة تنطلق من حسن النية والولاء والوفاء والإخلاص للتراب والإنسان والكيان والقيادة، هذه الشخصية الوطنية ساهمت في بناء هذا الوطن الغالي وحقق الكثير ولعب دوراً مهماً في الشأن الاقتصادي والسياسي لبلاده.


الابن يتحدث
"سبق" التقت الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز السفير السعودي في المملكة المتحدة، وحدثنا عن شخصية والده الأمير نواف -رحمه الله- التي برز فيها حكيماً يتخذ القرارات الشجاعة بعيداً عن العاطفة والانفعال والتأزم، ينظر إلى الأمور عبر زوايا متعددة، وبتقويم يقود في النهاية إلى اكتشاف الأخطاء، وإيجاد الخطط والبرامج الآنية والمستقبلية، حمل هموم الأمة العربية والإسلامية سعى لتحقيق الإصلاح في بلاده وتمكينها من لعب دور رائد اقتصاديا وسياسياً على مستوى العالم.


امتداد لـ"عبدالعزيز"
وقال: وُلد الأمير نواف في قصر شبرا في الطائف، وتتلمذ وصاغ ثقافته وكوّن مخزون وعْيه في مدرسة المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وفتح عينيه على جغرافيا ممتدة امتداد حلم "عبدالعزيز"، شامخة بسمو طموحاته، وتلقى تعليماً خاصاً في المراحل الأولى من حياته على يد مدرس أنجال الملك عبدالعزيز الشيخ عبدالله عبدالغني الخياط، ودرس في أوائل شبابه لفترة اللغة الإنجليزية بجامعة ستانفورد بأمريكا، وكان شغوفاً بالقراءة والاطلاع وانفتاحه على العالم الخارجي، بالإضافة إلى حبه للتاريخ وللسياسة، وكان يحظى برعاية خاصة من والده الملك عبدالعزيز، واختزن مفاهيم والده وطوّر أدوات عمله ومواجهاته مع الواقع وظروفه ومستجداته وتحوّلاته، منذ أن بدأ الحياة السياسية.


تمثيل المملكة دولياً
وتابع: "حرص الملك فيصل على أن يشارك الأمير نواف في الوفود التي مثلت المملكة في المناسبات الدولية رغم صغر سنه، ومنها وفد المملكة إلى إنشاء الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، مما مكّنه من الاطلاع على أحداث العالم والسعي لمعرفة خفايا وخلفيات ما يحدث، والقدرة على الوصول إلى تحليلات أقرب ما تكون للواقع؛ نتيجة لخبرته وكفاءته وقراءته الدقيقة لأحداث العالم وتصرفات اللاعبين فيه.


أزمة البنك الوطني
وتابع: "بدأ الأمير نواف حياته العملية في عهد الملك المؤسس رئيساً للقصور والحرس الملكي، وحين تم تشكيل الوزارة في عهد الملك سعود أسندت إليه مناصب مهمة منها رئاسة الديوان الملكي ثم وزارة المالية، ومن أبرز ما شارك في علاجه خلال توليه منصبه هذا أزمة البنك الوطني التي كانت تؤثر على اقتصاد البلاد، والذي جرى تحويله فيما بعد إلى بنك الرياض الحالي، كما تولى منصب مستشار خاص للملك فيصل، وفي عهد الملك عبدالله أسندت إليه رئاسة الاستخبارات العامة.


صناعة القرار
وقال: "أسهم الأمير نواف -رحمه الله- في صناعة القرار السياسي مع ملوك المملكة في تحصين الجغرافيا العربية والإسلامية والإنسان من الاستهدافات، وكرّس مكانة المملكة في المحافل الدولية، وفرض احترامها في المجتمع الأممي، ومن طبائعه أنه يبتعد عن الأضواء ولا يسعى نحو الإعلام، إلا أنه كان سنداً لملوك السعودية في علاقاتهم الخارجية، ورسولاً أميناً مقتدراً إلى دول عربية وعالمية.


مفاوضات لندن
وأضاف: "عند خروج بريطانيا من اليمن الجنوبي ومنطقة الخليج في الستينيات الميلادية شارك في مفاوضات لندن ومنطقة الخليج؛ للتمهيد لمرحلة ما بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة، وكان ممثلاً للملك فيصل في وفد سعودي- كويتي، وكان ممثل الكويت أميرها الحالي حين كان وزير خارجيتها، ودارت مشاورات هذا الوفد ورحلاته المكوكية فيما بين دول الخليج، أي الإمارات التي تكوّنت منها دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، وتوثقت علاقته بالشيخ زايد وحكام الإمارات بشكل كبير، ونجح بالتعاون مع الشيخ "الصباح" في تبديد مخاوف بعض حكام الإمارات حينها من الوحدة المقترحة.


تهديدات العراق للكويت
وفي عهد الملك سعود -رحمه الله- كُلف الأمير نواف وبرفقته الأمير منصور بن سعود بالذهاب إلى الكويت مع وفد عسكري؛ وذلك لمؤازرتهم وتطمينهم إثر التهديدات التي كان يقوم بها الرئيس العراقي آنذاك عبدالكريم قاسم ضد الكويت الشقيقة، كما كان له علاقة مميزة ووثيقة مع السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، وهو من مهّد ورتّب اللقاء بين الملك فيصل -رحمه الله- والسلطان قابوس، وذلك بعد تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم في عمان، وكان بعد مقتل الرئيس المصري أنور السادات الذي قطعت الدول العربية علاقاتها معه، أول مسؤول سعودي رفيع المستوى يستضيف في بيته الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، الذي تولى الرئاسة بعد مقتل السادات، وذلك في لقاء خاص، كان البداية لانطلاق عجلة إعادة العلاقات السعودية والعربية مع مصر، وكان سمو الأمير نواف حينها يزور مصر زيارة خاصة.


مهام دبلوماسية  
وأتاحت الصلات الشخصية والخاصة للأمير نواف أن يكون في بعض الأحيان المدخل الرسمي غير المباشر الذي يسعى إليه البعض عندما تكون هناك رغبة في مباحثات حساسة تتعلق بعلاقة بلدانهم مع السعودية، إذ يحرص ملوك السعودية على أن يوكلوا إليه المهمات التي لا يستخدمون لها القنوات الدبلوماسية، وكان ينجح في إقامة علاقات شخصية مع رؤساء وزعماء في أكثر من دولة تتيح دائماً حواراً سياسياً صريحاً يحقق أهداف المملكة في علاقاتها مع الآخرين، وكان خلال المناسبات المهمة التي يتواجد فيها يحرص على تمثيل بلاده ومليكه بأفضل شكل؛ فعند وفاة إمبراطور اليابان السابق أقام اليابانيون مناسبة ضخمة للتعزية، وأوكل الملك فهد إلى الأمير نواف تمثيل المملكة بهذه المناسبة، والتقى هناك بعدد من قادة الدول العربية والأجنبية. حيث كانت له لقاءات مهمة مع بنازير بوتو رئيسة الوزراء الراحلة لباكستان، والملك حسين رحمه الله، والرئيس المصري السابق حسني مبارك، وكانت الرئاسة الأمريكية في ذلك الحين قد انتقلت منذ بضعة أسابيع إلى الرئيس بوش (الأب) فكان للأمير نواف لقاء خاص معه وعدد من المسؤولين الأمريكيين، حرص عليه الأمريكيون للحديث عن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه المملكة وفي منطقة الشرق الأوسط.


تبرّع هارفارد
ويستطرد نجله وسفير المملكة في بريطانيا: "كان له -رحمه الله- دور مميز في توثيق علاقة السعودية بجامعة هارفارد، وهي الجهود التي بذلها شخصياً، وتكللت بتبرع الملك فهد -رحمه الله- بمنحة بلغت ثلاثة ملايين دولار عام 1993م لإنشاء مركز دائم للدراسات الإسلامية في كلية القانون بجامعة هارفارد، وقد خصّص ثلثاً من هذه المنحة لإنشاء كرسي خادم الحرمين الشريفين للدراسات الإسلامية في الكلية، كما خصص الثلث الباقي لإنشاء مكتبة إسلامية وشرعية في تلك الجامعة العريقة، وقد تجلّت قيمة هذه المبادرة التي حرص على إنجازها، في الدور المهم الذي لعبه مركز الدراسات الإسلامية في تدريس الفقه الإسلامي، كما برز لهذا المركز دور مهم بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث ابنرى البروفيسور فرانك فوجل الذي كان يشغل آنذاك منصب أستاذ كرسي خادم الحرمين الشريفين من خلال مقابلات تلفزيونية وصحفية يوضّح للشعب الأمريكي والعالم أجمع سماحة الإسلام ووسطيته، وأن الإرهاب لا يمتّ للإسلام بصلة، كما كان له دور خاص في السعي لإقامة علاقات وثيقة مع متاحف جامعة هارفارد؛ للاستفادة من مقتنياتها وخبراتها في التطوير والاطلاع على متاحف المملكة، والتي كانت محدودة آنذاك.


الطاقة الشمسية
وقال: "من اهتماماته الخاصة تطوير إنتاج الطاقة الشمسية، وقد تبرّع قبل نحو 30 سنة بمبلغ مليون دولار لصالح أبحاث تتعلق بالطاقة الشمسية كانت تجريها جامعة أسترالية؛ بهدف استفادة الدراسات في المملكة منها، كما استثمر في الثروة الحيوانية بنيوزيلندا لتطويرها بشكل يناسب المذاق السعودي. كما كان له دور مؤثر في تشجيع الشركات الكورية الجنوبية أثناء زيارته لها لدخول السوق السعودي والانفتاح عليه.


التقارب الإيراني
وتابع: "في عهد الرئيس الإيراني الأسبق خاتمي، والتي شهدت تحسناً ملموساً في العلاقات بين البلدين بادر -رحمه الله- إلى محاولة إنشاء بنك سعودي- إيراني بمشاركة من بنوك ورجال أعمال من الجانبين، إلا أن التطورات السياسية في إيران أدت إلى توقف هذا المشروع؛ إذ كان على قناعة بضرورة الوصول إلى نقاط لقاء وتفاهم بين بلاده والإيرانيين، ونظراً لما كان يعرفه من رؤية الملك عبدالله -رحمه الله- في ذلك الوقت، ولما شهدته العلاقات فيما بين البلدين خلال فترة الرئيس رفسنجاني من تقليص للتوتر فإنه سعي لإقامة صرح اقتصادي مشترك بين البلدين تسهم في تقوية أواصر التعاون، وتأكيد رغبة المملكة في ذلك، ومع الأسف عصفت أزمات وسياسات التشدد والتدخل والهيمنة بعد انتهاء فترة رئاسة خاتمي بإيران وتوقف المشروع.


مرشحا الرئاسة الأمريكية
وتابع السفير السعودي في بريطانيا: لو كان الأمير نواف بيننا هذه الأيام لاستمعنا منه لتحليل من وجهة نظر سعودية- عربية- إسلامية بواقع الحال فيما يجري في العالم من أحداث سياسية واقتصادية، وعلى سبيل المثال لما هو متوقع من أي من مرشحي الرئاسة الأمريكية الحاليين متى تولى أحدهما الرئاسة، فقد كان متابعاً بشكل متواصل للأحداث العالمية والمحلية برؤية ثاقبة ومتزنة وكان مرجعاً للكثيرين في تقييمها.

وأضاف: "هو يعرف شخصياً هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، إذا التقى بكل منهما على حدة، حيث حرص "ترامب" على الالتقاء بالأمير نواف في حفل غداء خاص بنيويورك، كما أقام حفل عشاء للأمير نواف دعا إليه شخصيات المجتمع والساسة في شقته الكبيرة بمبنى (ترامب تاورز)، والتقى في أكثر من مناسبة بـ"كلينتون"، ومن ضمنها حفل عشاء خاص حضره عدد من الشخصيات الأمريكية خلال زيارة له إلى نيويورك، وخلال كل تلك اللقاءات كانت تدور حوارات ويتم تبادل الأفكار، وكان جزءً منها يتعلق بدور المملكة الدولي وأهميتها العالمية.


جمع الصف
وقال: "كان على قناعة بأن دور المملكة في هذا العالم يشمل جمع صف المسلمين وكلمتهم؛ لنشر روح الإسلام في الاعتدال والوسطية، وتحقيق العدالة للبشر، وأن تعاليم الإسلام الصادقة ترفض التطرف والعنف وبث الفرقة سواء كان بين المسلمين تجاه بعضهم البعض أو تجاه الآخرين، بل الدعوة للسلام والمحبة وحقوق الإنسان التي دعا إليها الإسلام، وعكست حواراته ولقاءاته هذه القناعات التي كان يدافع عنها بقوة إيمان ووضوح منطق.


وفاته
وبعد هذه المسيرة الناصعة، توفي الفقيد مساء الثلاثاء الموافق ١٦ ذي الحجة ١٤٣٦هـ وتمت الصلاة عليه بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، ودفن بحضور شخصيات بارزة من مختلف دول العالم، وقال عنه الأمير أحمد بن عبدالعزيز يوم وفاته: "إن مآثر الفقيد كثيرة فهو فقيد وطن اشتهر بحسن الخلق وحسن المعاملة، وقد مات وإخوته وأهله راضون عنه؛ فهو معروف من صغره بحب الخير وبخدمة الوطن وخدمة والده -رحمهما الله- وقد خدم الوطن مع إخوانه منذ عهد الملك سعود في كل مجال يستطيعه، وأدى جهوداً كبيرة في خدمة الدين أولاً ثم خدمة الوطن والمليك، وهذه الجهود مذكورة ومأجور عليها بإذن الله".


فقيد الوطن
وقال عنه الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة: "إن الفقيد -رحمه الله- فقيد وطن خدم وطنه وملوك المملكة بإخلاص، وقد عرفته منذ الصغر وعاصرته -رحمه الله- في أجمل أوقاته، والحقيقة الكل يشهد للفقيد بالعمل الطيب ورقي أخلاقه وإخلاصه في عمله، فقد كان يعمل بصمت، وقد مرض -رحمه الله- منذ سنوات عدة، ويُعتبر الفقيد بالنسبة لي أباً ثانياً بحكم العلاقة الوطيدة بين سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز وأخيه الأمير نواف، ومعاصرتي له وما يربطني بابن عمي وأخي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز من صداقة عميقة، وبالتالي أعتبر والده والداً ثانياً لنا، نسأل الله العلي العظيم له الرحمة والمغفرة".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org