هل يفترض بنا أن نحدِّث أرشيف الأمثال القديمة؟ فنجعلها توافق العصر الحديث.. ويمكن بطريقة ما أن تنطلي على زماننا، ويصدقها شبابنا، ويقولوها حين توافق المقام.. بمعنى أن نستلها من أدمغة الطيبين قبل أن ينقرضوا، ثم نصيغها في كلمات حديثة، أو لها دلالات معاصرة، أو على الأقل قريبة العهد لهذا الجيل الذي فاته الكثير من الحِكَم وقصص الأمثال الشيقة؛ لأننا - بأسف شديد - لم نعد نسمع أمثلة جديدة، ولو إلكترونية الصنع، أو هكذا يُخيَّل لي.. ولم يعد لها ذلك الحضور الطاغي في معظم عباراتنا الدارجة وحواراتنا المتنوعة.. ربما الفصيحة سيلتقطها الجيل الجديد في تغريدة ما، أو ستمر عليه في منهج دراسي على مدار سنواته الدراسية، وربما الحِكَم والأمثال لا تزال تنقذ الإذاعة المدرسية الباردة! لكن العامية ستندثر غالبًا بتناقص من يعرفها، أو نسيانهم لها، أو حتى امتداد السنوات (وهو أمر مسلَّم به)؛ وبالتالي تندثر الحكمة التي تحملها ومواقف الرجال فيها! فهل يجدي أن نقولها بمصطلحات العصر الحديث، ونجعلها على موضة الجيل الحالي؟
المبتغى من هذا التحديث أو القياس استمرار الفائدة، وجعل الكلمات مشوقة وباعثة على اهتمام الشباب والشابات، وأن ينهلوا من معينها.
فماذا لو قلنا (قياسًا لأمثال فصيحة):
عصفور تويتر في الجوال خير من عشر صحف على الطاولة!
كلٌّ يغني على......؟ (اقترحوا أي اسم!!)
خير جليس في الزمان جوال!
الحقيقة، إنني فكرت طويلاً لمرادف للقناعة ككنز لا يفنى، لكني لم أجد غيرها أكثر مناسبة لزماننا من أي زمن مضى!!
أما الأمثال العامية فأظنها تحتاج لخبراء بارعين في القياس؛ لتخرج لنا حِكَمًا وأمثالاً من قبيل (اللي ما يعرف طير تويتر يشويه!)، أو المثل الذي يعتلي القمة بالنسبة للمقالة، وبالنسبة لي منذ أول مرة سمعته!! فهو مربط الفرس أو مربط الراوتر! ليس لتقادمه فحسب، بل لأعجوبته في الدلالة، وكونه صالحًا في الأزمنة المتأخرة أكثر من المتقدمة (كُلْ "هامبرجر" واشرب عصيرًا)، أو أي مشروب غازي مفضل!
المشكلة في قصة المثل كيف ستُحكَى؟ وهل سيصدقها الناس الصغار الآن؟ وهل هي قابلة للقياس مجددًا؟ وكيف سنجمع البطلين الصغيرين من جديد؟ إذ تعاظمت الحواجز بينهما عنه في السابق، حين كانت طبقات المجتمع توجَد معًا في أي مكان، حين كان الشارع والمسجد والمدرسة تجمع الجميع؛ فيمكن للغني أن يتلمس حاجة الفقير بسهولة! ويمكن له أن يراه كائنًا حيًّا مرئيًّا موجودًا!!
أما الآن فلم يعد الشارع يجمعهما، ولا المدارس، ولا حتى الاهتمامات.. فكلٌّ له مكان سكن خاص حسب طبقته (غنية وفقيرة)، (مرفهة ومحرومة).. فالحارات تختلف، والسيارات والملابس والماركات بشكل عام، وربما المخاوف والمشاكل والقناعات بالطبع! حتى الجوع يختلف (إن صار مشتركًا بينهما) بين أن يكون فرضًا أو اختيارًا لضرورة الرشاقة!! المثل - إذن - غير قابل للحدوث الآن..
إلا إذا جابوا لهم فقراء يوسعون صدورهم!!