يشهد التاريخ على الأيادي البيضاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مدّ جسور التواصل الحضاري مع دول العالم، ومن ذلك المسجد والمركز الإسلامي الذي أمر "عندما كان أميراً لمنطقة الرياض" ببنائه في مدينة "ماربيا" بإسبانيا منذ نحو 40 عامًا.
ولأول مرة بعد سقوط الأندلس بأكثر من 500 عام، يقام مسجد ومركز ثقافي يحمل اسم مسجد الملك عبدالعزيز، وذلك على نفقة خادم الحرمين الشريفين الخاصة.
وفي احتفال رسمي، دشّن خادم الحرمين الشريفين عام 1981، مسجد الملك عبدالعزيز في مدينة ماربيا الساحلية الإسبانية، التي كانت أندلس العرب قبل خمسة قرون، معيًدا إليها الإسلام والمسلمين بعد حين من تركها، وليكون بذلك أول مسجد للمسلمين يصدح منه الأذان منذ ضاع "الفردوس المفقود" عليهم في مملكة إسبانيا.
وكان الملك سلمان أول المصلين في الجامع القائم على سفح تلة مستوية الارتفاع في وسط "ماربيا" الساحلية بأقصى الجنوب الأندلسي، المقابل للجانب الآخر من مضيق جبل طارق، حيث المغرب يبعد نحو 14 كيلومترًا فقط، على أرض مساحتها 10500 متر مربع، وصممه المهندس الإسباني من قرطبة "خوان مورا أوروبانو"، ويسع 800 مصلّ من الرجال والنساء، وتحف به حدائق غنية بالأشجار في بيئة يغلب عليها اللون الأخضر بامتياز.
وقد وضع الملك سلمان حينها هذا المسجد الأبيض في متناول 1.6 مليون مسلم، بينهم نصف مليون من الإسبان الذين اعتنقوا الإسلام، والإمام هو الشيخ علال بشار الإدريسي، الذي أمّ المصلين في صلاة الغائب على الملك عبدالله بن عبدالعزيز بوجود آلاف المصلين، تقاطروا في صلاة رفعوها إكرامًا لرجل رأوا من خيره الكثير.
ولا تقتصر أهمية المسجد الذي بناه الملك سلمان، فقط على كونه مكانًا للعبادة، وإقامة شعائر الإسلام، بل كذلك لتحوله إلى مركز ثقافي عملاق ينشر الثقافة الإسلامية في المنطقة، حيث يضم مكتبة مساحتها 225 مترًا مربعًا، تحتوي على أكثر من 30 ألف كتاب ومجلد، معظمها عن الإسلام والتراث والأدب العربي والتاريخ، ويرتادها العرب والإسبان باستمرار.
وتحوّل هذا المسجد إلى معلم جديد من معالم التمدن الإسلامي، الذي ساهم الملك سلمان في نشره منذ أعوام، ودبلوماسية دينية للمملكة، ومنارة ثقافية ترفع راية الاعتدال والوسطية، في عالم ساقه التطرف إلى الخلط بين سماحة الإسلام وإرهاب المتشددين.
ويعتبر مسجد الملك عبدالعزيز أول مسجد يبنى في إسبانيا، حيث بني في العصر الحديث مسجد البشارات عام 1982 ومسجد مدريد المركزي عام 1988، كما أنه المسجد الوحيد الذي يُرفع فيه الأذان في إسبانيا عبر مكبرات الصوت.
وقد أصبح اليوم في إسبانيا أكثر من 1200 جامع ومصلى، وما يزيد على مليون و600 ألف مسلم، بينهم 500 ألف على الأقل إسبان اعتنقوا الدين الحنيف، بحسب إحصاء مفصل صدر في 2013 عن "اتحاد الجاليات الإسلامية" في إسبانيا.