رغم العيب الذي كان يطغى على مجتمعنا السعودي في الأعمالالحرة، ولاسيما المطاعم والكافيهات والنجارة والحدادة وميكانيكا المركبات، وغيرها من المهن، وكون بعض الأُسر ترفض انخراطأبنائها في تلك المهن رغم البطالة، إلا أن سعودة الوظائف والسماح لأبناء البلد بامتلاك مشاريعهم، كالبسطات "والفود ترك"، كسرا حاجز "العيب" الذي كان يسيطر عليهم.
وافدون يجنون خيرًا.. وشبان يرددون "لا يوجد عمل"!
ففي السابق كانت تفضل الكثير من الأُسر أن تشاهد أبناءها "عاطلين" ولا يمتهنون مهنًا تعيبهم، وتجعلهم حديثًا بالمجالس، ولا يستشعرون أن تلك المهن جعلت الوافدين تجارًا، ويجنون أموالاً طائلة من هذه المهنة المعيبة في نظر مجتمعنا، ويرددون مقولة: "ما فيه فلوس.. ما فيه وظائف"!
سعودة الوظائف تصدَّت لظاهرة العيب!
خطوة "سعودة الوظائف" كقطاع الاتصالات، والترتيب لسعودة غيرها، زادت من جرأة الشباب والفتيات على الوقوف صدًّا منيعًا للتصدي لظاهرة "العيب" التي كانت تسيطر على عقولهم منذ الصغر، حينها أفاق هؤلاء الشباب من غيبوبة الخجل بحثًا عن مصدر رزقهم أينما يكون.
عربات "فود ترك" وفخر المجتمع بشبابها
جنبات الطرقات والمنتزهات أصبحت مصدر فخر للمجتمع، بعد أن شاهد الكثير عربات متنقلة "فود ترك"، بها شباب سعوديون، وأخرى بها سعوديات بكل فخر واعتزاز؛ لتقديم خدماتهم المختلفة، كالأطعمة والحلويات والمشروبات الساخنة والباردة، وغيرها، وفقًا للاشتراطات الصحية التي يتقيد بها الكثير.
لحاق الشباب بقارب رجال الأعمال
تلك المهن دفعت بشباب الوطن للحاق بقارب رجال الأعمال، وحصد الأرزاق التي كانت من نصيب الوافدين والمخالفين.. وفي المقابل توجِّه رسالة لمن يشكو البطالة من الشباب والفتيات، عنوانها أن الرزق والبركة في عمل الإنسان.وقد دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلىالعمل والإنتاج؛ فقال: "من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورًا له" أخرجه الترمذي.
بساطة أفكار العربات وتمكُّنها من كسر حاجز "العيب"!
وقد حظي أولئك الشباب والفتيات العاملون في هذه المهن بثقة ودعم المجتمع لهم، وحققوا دخلاً لم يكن يخطر في بال أحدهم، ملخصه أن تلك "العربات المتنقلة" رغم بساطتها ستدفعهم لمزيد من العمل والإنتاج، وكسر حاجز العيب لدى غيرهم.
مشروع غير مكلِّف حظي بالإشادة والإعجاب
"فهد العبد الله" شاب بدأ مشروعه المتواضع ببيع بعض المأكولات والمشروبات على قارعة الطريق، وقد كان جُلُّ تركيزه "كيف أعمل بنظام، وأكسب ثقة الزبائن، وأكسر حاجز العيب والخجل، وأحقق رزقًا حلالاً، بدلا من انتظاري فرصة وظيفية، لا أعلم متى يكتبها ربي لي؟".
دخل مرتفع ولربما لن يحققه في الوظيفة التي ينتظرها!
وأضاف: "لم أكن أعلم أن دعم المجتمع وإعجابهم بعملي سيدفعانني للذهاب كل يوم لمصدر رزقي وأنا شغوف بذلك، وبفضل الله أحقق ما لا يقل عن 15 ألف ريال شهريًّا".
حرارة الشمس وغمار بيع الخضار والفواكه
أما "محمد المطيري" فقال: "تبقى على تقاعدي عام واحد فقط؛ فقررت خوض غمار العمل الحر، وذلك من خلال بيع الخضار والفواكه وسط درجة حرارة لن يحتملها إلا من كان بأشد الحاجة للرزق الحلال، ويصبر على ذلك".
محاربة الوافدين وصبره لأجل رزقه
وأتبع بقوله: "أذهب صباحًا لسوق الجملة، وأعاني زحام الوافدين، واتفاقهم على محاربةأبناء البلد هناك، إلا أن الصبر وكثرة التجارب جعلاني أفهم كثيرًا أسرار هذه المهنة، ومن ثم أتوجه لمنزلي، وأبدأ بمعية زوجتي بتقسيم الخضار والفواكه في أكياس صغيرة تسهيلاً للزبائن".
5 ريالات وأرباح 18 ألفًا شهريًّا
وأشار "المطيري" إلى أنه يقف على جنبات أحد الطرقات المكتظة بالمارة، بعد أن قامبتنظيف وتفقُّد البضاعة، معلنًا بيع ما لديه بـ5 ريالات للصنف الواحد. مؤكدًا أن هذه المهنة رغم كونها متعبة إلا أن لها عوائد مالية، قد يجهلها البعض، وتصل أرباحها إلى 18 ألف ريال وأكثر شهريًّا.
مجهولون يتمنون الخيرات.. وفرص تنتظرأبناء الوطن
أصحاب تلك النماذج وغيرها أدركوا مؤخرًا أن العمل الحر بركة في الرزق والمال، وأن العيب هو بقاء الشاب أو الفتاة بلا عمل في بلد يكتظ بخمسة ملايين وافد، ويحاول أضعافهم الدخول للبلاد ولو بطرق غير مشروعة، بعد أن أدركوا أن الأرزاق في هذه البلاد متوافرة - ولله الحمد -، ولا تحتاج إلا لكسر حاجز الخوف والقلق، وخوض تجاربها، والصبر على متاعبها.. ولا يزال هناك آلاف الفرص والأفكار والمشاريع بحاجة لهمة الشباب والفتيات للانطلاقة في غمار خيرات البلاد.