في الحوار الذي لا أتخيل سوى تركي الدخيل وهو يقوده، كان الأمير محمد بن سلمان سبباً في قلقي ليلة منامي يوم الاثنين الماضي، كنت مزهواً بنفسي، راغباً باستدعاء الصباح الآن وليس بعد ساعات، كنت أريد أن ينجلي الليل سريعاً لأشرب القهوة مع السعودية الجديدة التي أعلن عنها ولي ولي عهدنا.
من بعد وفاة الملك عبدالله رحمه الله، كان الأمير محمد الذي يضطلع برئاسة المجلس الاقتصادي الأعلى يعمل ويحرك المسؤولين مثل أحجار الشطرنج، وكنا نصيغ صورة ذهنية عن الأمير الشاب، البعض يقول إنه عنيف في قراراته، والبعض الآخر يقول إنه لا خبرة له، وبعض ثالث كان قلقاً من هذه التغييرات النوعية بشكل مفاجئ لم تستعد له مؤسسات الدولة بعد، إلا أن محمد بن سلمان بقى بعيداً عن السعوديين، كنا نراه عبر نشرات الأخبار فقط، حتى جاءت "العربية" بحوارها ورأينا أميراً لم نعتد مثله، يملك لغة مركزة ودقيقة وواضحة، يسمي الأشياء بأسمائها دون لف ولا دوران، خبير في الشأن السياسي والاقتصادي، لديه صورة واضحة عن وطن لا يشبه "محطة البنزين"، ولدينا صورة أوضح عن رجل دولة قوي يبني دولة قوية وإن أوجعتنا قليلاً.
أؤمن تماماً بأن محمد بن سلمان يمتلك أسئلة استنطقها من اندهاش الشعب: كيف يمكن أننا لا نملك متحفاً؟ مسرحاً؟ فناً؟ كيف يمكن لتيار واحد أن يُغّيب التراكم الحضاري والتاريخي التي عاشته الجغرافيا السعودية واختصرنا في "خيمة"؟ نحن أمة إسلامية/ عربية قادت التاريخ 15 قرناً؛ لأننا فعّلنا الأمر الإلهي بعمارة الأرض، ولكننا كنا نريد "سعودياً" ينهض بنا من جديد ولا يخشى مجتمعه الذي تراكم عليه الحال حتى أصبح يحتكر الصوت الواحد.
منذ الآن، لا أعتقد أن المشكلة في الرؤية أو الاستراتيجية، لقد دخلنا في صناعة المستقبل، إلى درجة أن الأمير محمد بن سلمان يرى مؤشرات الأداء في كل مكان، بما فيها متوسط عمر السعودي الذي يريد أن يوصله إلى 80 عاماً بإذن الله. إلا أن المشكلة الحقيقية في الظلاميين الذي يظنون أن الدخول إلى الجنة يكون فقط عبر البقاء في فكرة "الخيمة".
وبصفتي فنان، فإن الحديث عن المسرح والفن يكون عادة ذا شجون؛ لأني مدرك كلياً لما يمكن أن يتم تقديمه من خلال قدرات وضعها الله فينا ليس لتحريمها، بقدر ما نقوم بتوظيفها في شأنه الحلال. الفجوة بين السعودي الجديد ونظيره القديم، دائماً كانت موجودة وتردم أحياناً ومن ثم يتم ايجاد فجوات أخرى. كانت المعارضة مع كل جديد، كان البدء في الراديو، ثم الكاسيت الذي لاقى هجوماً، ثم التلفزيون الذي تمت شيطنته، ثم الموبايل "أبو كاميرا"، وسيحين دور المسرح، والسينما، والمهرجانات الفنية ليكون لها دور في صناعة حضارتنا.
نحن الآن لدينا رؤية سعودية واضحة يجب أن نؤمن بها ونتفاعل معها وندعمها بجوارحنا وتصرفاتنا.. أبناؤنا وأحفادنا يعلمون الآن ماذا يخطط لهم وطنهم.