إن من أعظم نِعَم الله على عباده أن يصبح الإنسان آمناً على نفسه وأهله، مطمئناً على ماله وعرضه، اجتمع له مع الأمن في سكنه ووطنه الصحةُ في بدنه مع وجود قوت يومه، إنها والله نعمة عظيمة تعدل الدنيا بأسرها.
ولهذا كانت أولى تضرُّعات الخليل عليه السلام لربّه أن يبسُطَ الأمنَ على مهوى أفئِدَة المسلمين، فقال: {رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِناً}؛ فاستجاب الله دعاءَه، فقال: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً}.
فالأمن في حياة الناس مطلب هامّ وضروري، تسعى إليه جميع الدول والشعوب والمجتمعات، بكل طاقاتها وقوانينها وتشريعاتها؛ فلا حياة ولا رقي ولا نهضة لأي مجتمع بدون أمن أو استقرار.
ومن ثم نقول إن ترويع الآمنين والاعتداء على الأنفس والثمرات، أو أي من الممتلكات العامة أو الخاصة، ظلم وتَعَدّ ظاهر، وهو حرام بكل حال، وهذا ما أخبر به رسول الله: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ).
بل إن مجرد ترويع الآمنين على سبيل المزاح؛ من الحديث بأخبار كاذبة مروعة، أو نشر صور أو فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك الكثير والكثير من أساليب الترويع؛ كله محرم شرعاً, قال رسول الله: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا).
وانظر إلى روعة الإسلام؛ إذ نهى عن ترويع الطير أو الحيوان، فما بالكم بترويع الإنسان! فعن ابن مسعود قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ؛ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا؛ فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ فَقَالَ: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا). وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: (مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟) قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: (إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ).
إذا كان هذا الحال مع من يروع البهائم، أو يروع أخاه مازحاً؛ فما بالكم بمن تجاوز كل الخطوط الحمراء، وهدد الأمن العام والخاص، وتعمّد ترويع الأبرياء الآمنين ونشر الفوضى في البلاد، أو قطع الطرقات، أو السطو على أموال الوطن والعباد؛ بل قد يسفك الدماء ويهتك الأعراض؛ لأجل عقيدة فاسدة، أو عصبية عمياء، أو جهل وغباء، أو حفنة من المال الحرام، أو مصلحة رخيصة، أو جاه مغتصب أو سلطان، أو لأنه يد خبيثة آثمة من أيادي الأعداء، أو لأي مأرب دنيء شاذ، فهؤلاء أناس لا أخلاق ولا دين لهم.
فكم من أم فُجعت في أولادها؟ وكم من أب عاش حياة الخوف على أبنائه؟ وكم من زوجة سُلبت الأمن والراحة خوفًا على عرضها أو صغارها أو زوجها؟ وكم من يتيم فَقَد من يعوله؟ وكم من مجتمع رُوّعَ أبناؤه بسبب تفجيرٍ هنا أو حربٍ هناك أو قطع طريقٍ أو سلبٍ أو نهبٍ وتَعَدٍّ على الحقوق أو اختطاف في هذا المكان أو ذاك؟
من مس نفساً واستباح دماءها.. غياً بغير الحق كان كأنما
قتل الجميع ومن سعى لحياتها.. فكأنما أحيا الجميع كأنما
من يبغ بالقتل بريئاً مؤمناً.. متعمداً كان الجزاء جهنما
ليظل فيها خالداً وبلعنة.. غضب الإله بها عليه ودمدم