"ما في فائدة"

"ما في فائدة"
تم النشر في

كثيراً ما أسمع من بعض الأصدقاء عبارة "ما في فائدة"؛ خصوصاً عندما يعاني خدمة سيئة في إحدى الدوائر الحكومية أو يرى أحد المرافق أو الطرق في حالة سيئة، وعلى الرغم من أنها عبارة موجزة ومختصرة إلا أنها توضح مستوى الإحباط الذي ملأ تلك الأنفس وتمكّن منها لدرجة أن أمثال هؤلاء حتى لو وجدوا أمراً إيجابياً مستقبلاً فإما أنهم لا يصدقونه وإما أنهم يعتقدون أنه أمرٌ مؤقتٌ ولن يستمر.

أحداث محبطة تحدث باستمرار على المستويين المحلي والدولي، فمحلياً قد ترى حالات فساد متعدّدة سواء كانت سرقة أو نصباً أو احتيالاً بمئات الملايين من الريالات، كما ترى الإهمال الذي قد يتسبّب في عددٍ من الوفيات، كما تجد الكذب والغش والتدليس والنفاق تظهر بصور مغايرة وفي أشكال من الصدق والشفافية والنزاهة والإنجاز، كما ترى الإعلان عن المشاريع بالمليارات، ولا تكاد ترى لها أثراً على أرض الواقع، أما دولياً فها هم الضحايا يُقتلون بالعشرات يوماً بعد يوم من حولنا، ولا تعلم لماذا قُتلوا؛ بل لا تكاد ترى أي ردّ فعل إيجابي يُوقف أنهار الدم التي تجري من حولنا، كما أن الدول العظمى تُبدي مواقفها من أحداث المنطقة بما يُسهم في تنفيذ مخططاتها وحماية مصالحها وأصدقائها.

إنه حالٌ مؤلمٌ للغاية قد يدفع الإنسان إلى الإحباط واليأس وهذا ما يتمناه أعداؤنا؛ فهَمهم الأكبر هو أن نفقد الثقة بأنفسنا أولاً ثم بمَن حولنا، ولذلك فإن علينا ألا نحقّق غاياتهم وألا نفقد الأمل رغم الألم الذي يعترينا؛ لأن هذا الإحباط لن يغيّر من الواقع المؤلم شيئاً، ومواصلة الشكوى والانتقادات لن تغيّر شيئاً ومواصلة ترديد عبارة "ما في فائدة" أيضاً لن تُجدي نفعاً، بل يجب علينا أن نُعيد النظر في مواقفنا، وأن نقاوم الألم ونتيح المجال للأمل أن يدخل في أعماقنا، وأن نجدّد الثقة بأنفسنا وبمَن حولنا، وأن نرحب بكل مبادرة جديدة تسهم في إضاءة الطريق وزرع الأمل.

إنه نداءٌ إلى كل المتألمين الذين يأتي ألمهم من واقع محبتهم وإخلاصهم لوطنهم أن اصبروا على هذا الألم ولا تيأسوا؛ بل اجعلوه حافزاً للعمل ولدعم كل مبادرة نحو التغيير، فكلنا يعلم حجم ما حولنا من تحديات ومعوقات وتراجع في مستوى كثير من الخدمات، ولكن دعونا نجعل ذلك كله حافزاً للإصلاح والتحسين، وأن نصنع من المحن منحاً للمستقبل، وأن نعمل كل ما في وسعنا من أجل تطوير وطننا ومجتمعنا.

لقد تغيّرت مجتمعات كثيرة عبر القرون ولم يأتِ الإصلاح من الخارج؛ بل كان من الداخل، وبمبادرات محلية وعملية وأولى خطوات هذا التغيير يجب أن تكون من خلال تغيير أنفسنا، ثم من حولنا نحو الأفضل، فدعونا لا نفقد الأمل وأن نتفاءل ونتوقف عن قول (ما في فائدة)، فهذا وطننا يجب أن نضحي بكل ما نملك في سبيل رفعته وعلو شأنه.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org