تتطور الأمم بالتعليم الجيد، والابتكار المفيد، والصناعات القوية؛ ويلعب البعد المعرفي دوراً محورياً في هذا التطور والتميز، وفي المملكة لطالما كانت الإنجازات الرياضية على مدار عقود ماضية مصدر فخر وسعادة لأبناء الوطن؛ لاسيما في كرة القدم التي تعد أفضل الألعاب العالمية في صنع فرحة الشعب وسعادته؛ إلا أن اللافت هذه الأيام هو الفرح الشعبي العارم الذي لف مختلف مناطق المملكة بمناسبة فوز المنتخب السعودي للعلوم والهندسة في مسابقة دولية علمية وبحثية لم يكن معهوداً سابقاً، حيث حقق ممثلو مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، ووزارة التعليم 15 جائزة كبرى، و6 جوائز خاصة من بين 2000 طالب وطالبة من 85 دولة، خلال مشاركتهم في معرض "ريجينيرون" الدولي للعلوم والهندسة "آيسف 2022" الذي أقيم في مدينة "أتلانتا" بولاية جورجيا الأمريكية، خلال الفترة من 7 إلى 13 مايو الجاري.
ماذا يعني؟
فماذا يعني هذا الإنجاز الوطني الجديد الذي تحقق بفضل دعم القيادة الرشيدة -يحفظها الله-لأبناء الوطن، والذي أثمر هذا التفرد والتفوق بين الدول المتقدمة في المسابقات الدولية؟
لقد كانت معاناتنا على مدى عقود سابقة في مجال البحث العلمي أنه لا يجد اهتماماً كبيراً، ولا توجد خريطة طريق واضحة المعالم لتطويره مما انعكس سلباً على مستوى التعليم العام، وتصنيف الجامعات السعودية، ومراكز البحوث، علاوة على الانتقاد المتكرر لنظامنا التعليمي، وأنه المسؤول الأول عن مشكلاتنا الاقتصادية كـ"البطالة" بسبب ضعف مهارات التعليم، وضعف التأهيل، وغياب الثقافة، وضمور المهارات، والتفكير المنطقي لطلاب وطالبات التعليم، وخلوه من الإبداع وفق المقاييس العالمية.
رؤية المملكة 2030
واليوم، وبعد الفوز العريض لمنتخب المبدعين السعودي في مجال البحث العلمي؛ نتذكر أهداف ومبادرات رؤية المملكة 2030 التي انطلقت في 25 إبريل 2016 نحو تحقيق مستهدفات طموحة لاسيما في برنامج التحول الوطني المتعلق بالبحث العلمي والتعليم، الذي يشمل تحسين مستوى توظيف وتدريب وتطوير المعلمين، وتحسين بيئة التعلم لتحفيز الإبداع والابتكار، وتحسين المناهج وطرق التدريس، وتطوير قيم الطلاب ومهاراتهم الأساسية، وتثقيف الطلاب لتلبية متطلبات التنمية الوطنية، مما أسهم في تقديم نماذج سعودية مشرفة تزاحم اليوم على منصات التتويج بما تملكه من القدرة على ابتكار، وتقديم حلول لمشكلات التنمية المستدامة التي تواجه العالم من أجل ازدهار الإنسانية، فقد حقق الطالب عبدالله الغامدي، من إدارة تعليم الشرقية، جائزتين في مجال الطاقة، والطالبة دانة العيثان من إدارة تعليم الأحساء جائزة في مجال الكيمياء، وحصلت الطالبة تهاني عادل من إدارة تعليم الشرقية على جائزة في مجال علم المواد، وحققت الطالبة ماريا الغامدي من إدارة تعليم الرياض جوائز في مجال الكيمياء، وحصل الطالب يوسف خوجة من إدارة تعليم جدة على جائزة في مجال الأنظمة المدمجة، كما فاز 3 طلاب سعوديين بمنح بالمشاركة في برنامج موهبة الإثرائي العالمي، إضافة إلى الحصول على مكافأة نقدية.
المجتمع السعودي
لقد أتى الفوز العريض لطلابنا وطالباتنا في معرض "آيسف 2022" ليثبت بما لا يدع للشك أن محاولات التطوير والتحديث الحالية في المجتمع السعودي تسير في المسار الصحيح، وأن السياسة الحالية في تطوير وتعديل المناهج التعليمية، وتأهيل المدرسين والمدرسات، ناجحة وبدأت تؤتي ثمارها، وأن الطموح في تحويل المملكة لبلد صناعي كبير يسير في الطريق المثالي طالما تم ربط الصناعة المحلية بمراكز البحوث، والابتكار، والارتقاء بقدرات ومواهب طلاب الوطن من الموهوبين والموهوبات في مراحل التعليم العام بكفاءة واقتدار.