أخطأ المذيع في القناة السعودية الأولى في نطق اسم المدينة الألمانية "هامبورغ" ، وما إن رصد الجمهور ذلك الخطأ حتى تعالت أصوات المنتقدين بأن مثل هذا المذيع يشوه صورة الإعلام السعودي وسلطت عليه سهام الانتهازيين، ورفعت مطالبات المغردين للإطاحة برأسه وإيقافه عن العمل؛ غير أن ردة فعل معالي وزير الثقافة والإعلام كانت صادمة ومحبطة لأمثال هؤلاء؛ إذ تَضَامَنَ معاليه مع المذيع وغرّد قائلاً: "ساءتني كثيراً الحملة ضد زميلنا المذيع بسبب خطأ لغوي بسيط ، وأتضامن معه شاكراً جهوده، ولا صحة لما أشيع من معلومات عن إيقافه".
نحن بشر نصيب ونخطئ؛ غير أننا مع الأسف أصبحنا نعيش في مجتمع بعض أفراده لا يرحم، هوايتهم ركوب أمواج التحطيم عند كل زلة، وتسليط سياط النقد الهدام عند كل هفوة والتركيز على السلبيات وتضخيمُها، وغض الطرف عن الإيجابيات؛ فما إن يخطئ أحدهم حتى تجد بعض زبانية وسائل التواصل الاجتماعي قد سلّطوا عليه الأضواء وكشفوا ستره، وشرعوا في النيل منه والاستهزاء به والشماتة فيه وجعله أضحوكة وسخرية بين أوساط المجتمع دون اعتبار أو تقدير أو حفظ لكرامة الفرد أو مراعاة وضعه الأسري.
هناك ألف طريقة وأسلوب يمكن أن يعالج بها الخطأ عندما يقع؛ غير أن بعض فئات مجتمعنا -مع الأسف- يفضّل عادة اللجوء إلى أسلوب الفضيحة والتشهير والسخرية والتهكم والنقد الفاضح الذي يهدم وليس النقد البناء الذي يصحح الخطأ، ويسعى إلى التأكد من عدم تكراره، وكلنا يعلم منذ زمن طويل أن المنظومة الإعلامية في حاجة ماسة إلى تطوير وفي مقدمتها التلفزيون السعودي؛ سواء على مستوى الكوادر البشرية أو الأجهزة التقنية، وهذا ما أكّده معالي الوزير عندما غرد قائلاً: "إن هناك جهوداً يبذلها الزملاء في التلفزيون، وهو بحاجة للمزيد من العمل الإبداعي المتميز للنهوض به وتلبية طموح المشاهدين الكرام في ظل منافسة قوية".
أنا لا أطالب بالتشجيع على الأخطاء أو التهاون مع المخطئين؛ ولكننا نعيش اليوم في إطار "برنامج التحول"؛ ولذلك فإن على مجتمعنا أن يتحول من ظاهرة النقد السلبي والتجريح الشخصي والسخرية لكل من يخطئ إلى ظاهرة الدعم والمساندة والتضامن؛ خصوصاً إن كانت تلك الأخطاء أخطاءً بسيطةً وشخصية، وليست أخطاء جسيمة ومؤذية، وخصوصاً إن حرص أصحاب الأخطاء على الاعتراف بها وبيان أسبابها والاستعداد لمعالجتها.