في 14 سبتمبر 2019 تعرَّض معملان تابعان لشركة أرامكو في محافظة بقيق وهجرة خريص لهجمات بطائرات مُسيَّرة؛ وهو ما أدى إلى اندلاع حريق فيهما. وقد تبنت ميليشيا الحوثي الموالية لإيران الهجمات. ومنذ ذلك الاعتداء الإرهابي إلى يوم أمس الذي استهدف الحوثيون فيه محطة توزيع المنتجات البترولية التابعة لأرامكو في جدة؛ فنشب حريق فيها، تكررت هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية السعودية، وتكرر اكتفاء المجتمع الدولي بالشجب والإدانة في رد فعله على تلك الهجمات الإرهابية رغم التهديد الخطير للهجمات على إمدادات النفط العالمية، واستقرار أسواق الطاقة؛ إذ تعد السعودية أكبر مُصدِّر للنفط الخام في العالم.
وتدرك دول العالم جيدًا أن النفط هو الوقود الأساسي للاقتصاد العالمي، وأن أي اختلال جوهري في إمداداته سيُعرِّض الاقتصاد العالمي لأزمة خانقة، والعالم على شفير أزمة على هذا المستوى حاليًا بسبب التبعات الناجمة عن الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وما استتبعه من فرض الدول الغربية وأمريكا عقوبات اقتصادية على روسيا، ومن بينها قطاع الطاقة؛ ومن المحتمل أن يتقلص إنتاج روسيا من البترول والغاز؛ وهو ما حدا بقادة الدول الكبرى إلى مناشدة السعودية الاستمرار في دورها التاريخي في المحافظة على استقرار أسواق الطاقة. ورغم هذه الظروف التي يمر بها العالم، التي تنذر بوقوع أزمة اقتصادية نتيجة التقليص المحتمل لإمدادات النفط، ودور السعودية المحوري في تجنبها، يستمر الحوثيون في الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، وتستمر دول العالم في ردود أفعالها الواهنة حيالها دون تغيير جدي يرقى إلى مستوى خطورتها.
ومن غير الوارد على الإطلاق ألا تكون دول العالم مدركة خطورة هجمات الحوثيين على منشآت النفط السعودية، ومن غير الوارد أيضًا ألا تكون مدركة لتضاعف أهمية الدور الحيوي للسعودية حاليًا في تجنيبها الأزمة المرتقبة مع الانخفاض المتوقع لإنتاج النفط الروسي، ولاسيما أن بوادر هذه الأزمة بادية للعيان بعد أن قفزت أسعار النفط إلى نحو 140 دولارًا للبرميل قبل أسبوعين. فما يعيب موقف المجتمع الدولي ليس إدراك خطورة الحوثيين، وإنما يعيبه عدم تحركه العملي الجدي، الذي يتناسب مع تهديدات الحوثيين لإمدادات النفط، وضرورة منعهم بشتى السبل من مواصلة هذه التهديدات. ودول العالم لن تعجزها الوسائل التي تحقق بها هذا الهدف متى قررت التصدي للخطر الإرهابي للحوثيين.
إن شعور السعودية بمسؤوليتها تجاه استقرار أسواق الطاقة، وتحمُّلها هذه المسؤولية، دفعاها إلى أن تعلن للعالم أنها "لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران"؛ لأن المخاطر تتجاوز السعودية وأمنها ومصالحها إلى مصالح العالم وأمن إمداداته النفطية. وقد اتخذت السعودية هذا الموقف لتضع دول العالم أمام مسؤوليتها عن مصالحها، وحتى يكون تحركها متناسبًا مع خطورة التهديد الحالي لأمن إمدادات النفط. والسعودية محقة في اتخاذ هذا الموقف المسؤول؛ فإن لم تتحرك دول العالم في الوقت الراهن، الذي تشرف فيه على أزمة اقتصادية، بشكل جدي حيال الهجمات الإرهابية للحوثيين على المنشآت النفطية السعودية، فمتى تتحرك؟ وماذا يرجى من تحركها إذا لم تتحرك الآن وتحمي مصالحها؟