مع التحول الوطني هل نحن طبيعيون؟

مع التحول الوطني هل نحن طبيعيون؟

يدور في رأسي كثيراً هذا السؤال الكبير يومياً، بل مع كل مشوار؛ إلى السوق، إلى المسجد، إلى مكتبي، إلى المطاعم والفنادق، إلى أي مكان أرى فيه كل شيء حولنا لسنا نحن من صنعناه أو لنا يد فيه كل مكان: هل نحن طبيعيون فعلاً؟ بل إنني أتساءل مع نفسي: هل يجب أن نثير هذا السؤال أم أنه أمر طبيعي ما يحدث؛ فمزارعنا لم نعد نزرعها، أغنامنا لم نعد نحن من يرعاها أو حتى يجهزها أو حتى نطبخها، وأطفالنا لم نعد نحن من يهتم بهم وبدراستهم وبطعامهم وبكل تفاصيل حياتهم ، وشوارعنا لم نعد نحن من نحافظ عليها، لم نعد نتألم من أجلها، لم يعد يعنينا إنْ كانت نظيفة أو قذرة وأنشطتنا التجارية اليومية البسيطة التي هي أول مفاتيح التجارة السهلة من خلال محلات البقالة أو الحلاقة أو الصيانة أو غيرها؛ لم نعد نحن من نديرها. ما الذي حدث؟ كيف تحولنا إلى شيء لا يشبهنا؟ كيف أصبحنا خارج حياتنا؟ في كل جغرافيا في هذا العالم الناس يمارسون مهن حياتهم إلا نحن، يعيش غيرنا بحياتنا ليقدمها لنا جاهزة ولكنها في الحقيقة باردة وباهتة.

بعد الطفرة المالية، هجر السعوديون المهنَ في أغلبها وأصبحوا لا يقبلونها لأسباب مختلفة، وهذا بالتأكيد ليس أمراً طبيعياً؛ فقبل سنوات ليست بالبعيدة- لنقل: ثلاثون عاماً مثلاً- كان هناك: الجزار السعودي، الحلاق السعودي، الطباح السعودي، النجار السعودي، القهوجي السعودي، وكل شيء كان سعودياً. وما زالت منطقة الأحساء ربما الوحيدة في المملكة تحافظ على هذا المزاج القديم؛ حيث إن نسبة "99%" من المهن التي تصنف في قائمة العيب أو التأفف الاجتماعي، يمارسها سعوديون هناك.

هنا ليست دعوة ليقوم السعوديون بتغيير مهنهم وحياتهم؛ بل إنها وصفة للتفكير فيما حولنا ونتقاطع معه. هي دعوة حتى نستطيع إعادة تدوير دورة الحياة الطبيعية بأكملها، بدلاً من اعتبارها "تراثاً" نزوره ونتحدث كيف كان يفعل أجدادنا وآباؤنا.

ماذا يجب أن نفعل أمام هذا الوضع غير الطبيعي؛ هل يجب التفكير في تجاوز هذه المرحلة وكسرها مثلاً بخطوة جريئة من الدولة تكون بقرار تجنيس وتوطين أصحاب الكفاءات المهنية المولودة في السعودية، التي عاشت بيننا طوال عمرها. هل سيساعد ذلك في صياغة الأجيال المقبلة، وسوف يزرع المنافسة ويبدد ثقافة العيب الاجتماعي والاتكالي الأعمى.

هل نحتاج فعلاً إلى هذه الخطوة بعد فشل كل محاولات التدريب المهني في إقناع المجتمع بضرورة توطين المهن.

علينا أن نفكر بعقلانية في أن نجعل دولتنا تنافسية، وأن ندرس قيام ونهوض الدول الأخرى: كانت ولا تزال الصين تفعل كل شيء بنفسها، وما زالت أمريكا وأوروبا تعتمد على العقول المهاجرة في تشكيل هوية المواطنة فيها. وكمستقبل لبلادنا سنجد أن هذا التجنيس (الذي يجب أن يمر بكل مراحله الأمنيه طبعاً) صانعٌ قويٌّ ومؤثرٌ في أجيال ستستوعب كيف أن هذه المهن مصدر ضخم وكبير للرزق.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org