دأبت منظمة الأمم المتحدة على تهميش القضايا التي لا تتماشى مع مصالح الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وتكتفي بالتعبير عن قلقها فقط عن طريق أمينها العام!! في حين أنها تتفاعل بشكل ملموس وواضح مع القضايا التي ترغب فيها إحدى الدول الخمس، حتى لو اضطرت هذه الدول لتحريك جيوشها وعدتها وعتادها، ولا مانع لديها من تجاوز السيادة الدولية لبقية الــ 188 دولة الأخرى الأعضاء في هذه المنظمة، ولا مانع لديها أيضًا من كسر وتجاوز جميع الأنظمة والأعراف والمواثيق التي أقرتها هذه المنظمة عند إنشائها في العام 1945م في سبيل تحقيق مصلحة إحدى هذه الدول الخمس.
لقد أصبحت تناقضات هذه المنظمة شيئًا متعارَفًا عليه، وبات تعاطيها مع الأحداث العالمية متوقعًا لدى عامة الناس؛ فالغاية تبرر الوسيلة!
فمرورًا بالقضية الفلسطينية، وكيف أن ثلة من المقطعين في الأرض استحلوا أراضي زراعية بطرق شرعية وغير شرعية؛ ليغتصبوا بقية الأرض، ويكوِّنوا دولة، وُلدت من رحم غير شرعية؛ لتأتي هذه المنظمة فتعترف بالمولود وتنكر الأم!!
وتتوالى التناقضات في تعاطي هذه المنظمة مع هذه القضية؛ فنجد أنها تبرر للمحتل القتل والتنكيل والتعذيب واستخدام الأسلحة المحرَّمة دوليًّا بحجة الدفاع عن النفس!!
لقد أصبح واضحًا وجليًّا لدى الشعوب كيف تمارس هذه المنظمة استغفال عامتهم، وتسطيح عقول مفكريهم.. وليس أدل على ذلك من مطالبتها في ذلك الحين بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير، بينما شعب غزة يبادون ويُقتلون وتُدمر البنية التحتية لمنطقتهم بآلة الحرب العسكرية.
عندما قامت الحرب على العراق لإسقاط نظام الحكم لم يكن المحرِّض لهذه الحرب هو بند صريح أو نقطة نظام في سجلات هذه المنظمة، إنما القانون آنذاك هو "إن لم تكن معي فأنت ضدي".. حرب لم يكن لها ما يبررها، كما أُعلن في الأيام الماضية من بعض حلفاء أمريكا في تلك الحرب.. ثم سلَّمت أمريكا أرض الرافدين للعدو الإيراني، الذي أعلن احتلاله للعراق سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا منذ اللحظات الأولى لسقوط بغداد. هذا الاحتلال تبعه تصفية طائفية نجسة على مسمع ومرأى من العالم أجمع، وأفرز فيما بعد جماعة إرهابية، مثل داعش التي لم ولن يكون من الممكن أن تتكون لو لم تجد الأرض والدعم المادي والمعنوي من إيران. وما يؤكد ذلك أن هذه الجماعة توجهت بقضها وقضيضها تجاه الدول التي لا تتفق مع السياسة الإيرانية.. ولم نشاهد أو نسمع أن إيران قد تعرضت لأي مضايقة من هذه الجماعة، سواء بالفعل أو القول.
جديد تناقضات هذه المنظمة، وليس آخرها، هو موقفها المخجل من الكارثة البشرية التي تحدث على أرض سوريا، والتي سيسجلها التاريخ في الملف الأسود لهذه المنظمة.. وللأسف، إن هذه الكارثة الإنسانية لم تحرك ضمير مجلس الأمن، بل حركت الأطماع الروسية لحجز موقع لها في الشرق الأوسط، ولم يردعها أنظمة ومواثيق منظمة الأمم المتحدة، وتعالت وتجبرت عن سماع صوت الضمير، وقالت كما قال فرعون "ما أريكم إلا ما أرى".
إن ما تمارسه بعض الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن من التفرد بالقرار بتدخلها في شؤون وسيادة بعض الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة يعيدنا إلى زمن الاستعمار المقيت. يقابل ذلك ما يسمى بالدول نائمة العضوية في مجلس الأمن، التي ليس لها أي دور إيجابي أو سلبي فيما يصدر من قرارات من مجلس الأمن. وهذا يفرض على العالم أن يقف صفًّا واحدًا لإعادة تنظيم منظمتهم الأممية.
يجب على هذه المنظمة بعد أكثر من سبعين عامًا على إنشائها أن تعيد صياغة اتفاقياتها ومواثيقها، وأن تتغير خارطة الطريق لها، بما يضمن استقلالية جميع الدول الأعضاء، وأن تحترم السيادة والتنظيمات الداخلية لهذه الدول، وألا تتفرد أي دولة بقرارها مهما كانت المبررات، وأن يزيد عدد الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى عشر دول، وتكون جمهورية تركيا والمملكة العربية السعودية من ضمن هذه الدول؛ لما تمثلاه من ثقل سياسي واقتصادي وإقليمي، ولضمان حفظ وتوازن القرارات الصادرة من مجلس الأمن؛ ليعيش العالم بسلام واستقرار أكثر.