تصوير - عبدالملك سرور: من المعالم الشهيرة التي يمكن لزائر إقليم (آتشيه) -أقصى شمال غرب إندونيسيا- زيارتها هو موقع السفينة العملاقة التي جرفها المد البحري العملاق (التسونامي) إلى داخل البر إلى مسافة لا تقل عن خمسة كيلومترات، في واحد من عجائب هذه الكارثة البحرية الضخمة التي ضربت عدة بلدان في أواخر ديسمبر 2004م.
تقول لنا المرشدة السياحية "نورة صافرينا" ونحن نصعد السفينة: "هذه السفينة العملاقة كانت في الأساس محطة عائمة لدعم الطاقة الكهربائية، وكانت تربض على شاطئ مدينة بندا آتشيه حين وقوع الكارثة التي حملتها بحجمها الهائل من الأطنان (2600 طن)، لتنقلها هذه المسافة داخل البر".
وتضيف وهي تشير من على سطح السفينة للأماكن المجاورة: "وصلت السفينة هنا بفعل الموج، وحملت في طريقها العديد من آثار ومخلفات المنازل وغيرها. السفينة كانت توفر قرابة 10 ميجاوات من الكهرباء. وقد استقر بها الموج هنا فوق اثنين من المنازل. ومع تحويلها لاحقاً لمعلم سياحي تم نقل محركها الثقيل فقط. والآن كما ترون تضم متحفاً مصغراً وعروضاً ثلاثية الأبعاد لكل مراحل الزلزال، وهي تشبه بعض ما يوجد في المتحف الرئيس".
وعن قصة البداية لتحريك الأمواج للسفينة العملاقة تقول: "الكارثة كلها لم تتجاوز 30 دقيقة. وكان على متن السفينة حينها 7 أشخاص هرب منهم 6 أشخاص فقتلهم الموج، بينما نجا من بقي على متنها. الأمواج جاءت على ثلاث دفعات، والسفينة وصلت هنا في الدفعة الثالثة. وطبعاً دمّرت السفينة الكثير من المنازل في طريقها. ولكنها تحولت لملجأ أمن بعد توقفها، حيث صعد الكثير على متنها خشية من تكرار المدّ القاتل.
"نورة" فاجأتنا بأنها كانت واحدة من الأسماء الناجية، وقصتها سُطرت ضمن قصص الناجين في معرض مصغر داخل السفينة. أما قصة نجاتها فتحكيها لنا قائلة: "كنت صباح الأحد في منزلنا بالقرب من هذا المكان الذي استقرّت فيه السفينة. كان عمري 13 عاماً. وكنت نائمة في السابعة صباحاً فهو يوم عطلة حين علت صيحات الرعب من كل مكان. استيقظت وشاهدت الناس يهربون ويحذرون كل من يشاهدونه. كانت لدينا دراجة نارية مع أختي الكبرى، فحاولنا الهرب على الدراجة، ولكن الماء القادم بارتفاع هائل وسرعة كبيرة لم يمهلنا، وسرعان ما جرفنا وفرّق بيننا، ولكني تعلقت بجذع شجرة كبيرة، وكان هناك بعض من تعلق بها أيضاً. كانت شجرة كبيرة ووصل الماء لنصفها (بارتفاع 4 أمتار تقريباً)؛ لأنه كان في بداية انخفاض".
تلتقط "صافرينا" أنفاسها وتكمل: "بقيت حائرة على الشجرة، أما أختي فلم أرها حتى اليوم ولن أراها أبداً. بعد ساعات رأيت شقيقي يبحث عني في نفس المكان. ذهبت معه وأبلغني أن أمي وأختي غرقتا -رحمهما الله- هكذا كانت النهاية، ومن الصعب أن أصف أكثر، لكنه شيء لا يمكن تخيله.
حالياً تقضي "صافرينا" حياتها وحيدة، ولكنها سعيدة بعملها في متحف السفينة، ولا تفكر في مغادرة المكان، بل إنها اعتادت التغلب على آلامها كلما روت قصّتها للزوار.