على الرغم من التحذيرات السعودية المتكررة عبر السنوات الماضية عن خطورة ناقلة النفط "صافر" الرابضة في البحر الأحمر، إلا أن العالم لم يستيقظ ويستشعر تلك الخطورة إلا أخيرًا بعد سنوات.. ولا أحد يدري على الصحوة جاءت متأخرة؟ أم أن إزالة خطورة تلك القنبلة الموقوتة ما زال ممكنًا؟
فشهور قليلة تفصلنا عن تفاقم أزمة تلك الناقلة المتهالكة، والتي تهدد الحياة البيئة في البحر الأحمر، والممر التجاري العالمي، فحين أن العالم في حاجة اليوم إلى نحو 144 مليون دولار لإزالة ذلك الخطر الجاسم، فإنه سيكون عليه توفير أكثر من 20 مليار دولار لإزالة آثار تحطم تلك السفينة، وتسرب نفطها إلى مياه البحر الأحمر.
وقبل أيام قليلة، أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا بيانًا مشتركًا حول التهديد الذي تشكله ناقلة النفط "صافر" على منطقة البحر الأحمر، وضرورة دعم جهود الأمم المتحدة لمواجهة وتجنب التهديدات الاقتصادية والبيئية والإنسانية المحتملة.
وشدد البيان على أنه: "بحلول أكتوبر (أي بعد 4 شهور فقط)، ستجعل الرياح العاتية والتيارات المتقلبة عملية الإنقاذ التي تقودها الأمم المتحدة أكثر خطورة وسترفع من خطر تحطم السفينة، علمًا بأنه في حالة حدوث تسرّب، فمن المتوقع أن تكلّف عملية التنظيف وحدها 20 مليار دولار".
وأفاد البيان بأنه لابد من توفير نحو 144 مليون دولار من أجل تمويل خطة الأمم المتحدة التشغيلية، والتي تتضمن 80 مليون دولار لعملية طارئة لتفريغ النفط من صافر إلى سفينة مؤقتة، حيث قد تمّ جمع ما يقرب من نصف الأموال المطلوبة لعملية الطوارئ هذه في اجتماع التعهدات الذي استضافته الأمم المتحدة وهولندا في إبريل الماضي، غير أن ثمّة حاجة ماسة إلى المزيد من التبرعات للمضي قدمًا في العملية.
فيما تعهدت الولايات المتحدة أخيرًا بدعم عملية الإنقاذ بنحو 10 ملايين دولار، وحذر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قائلاً: "سيكلف تسرب النفط أو انسكابه العالم مليارات الدولارات لتنظيفه، كما أنه سيدمر الحياة البحرية في البحر الأحمر، ويعيق التجارة العالمية في هذا الممر المائي الدولي الرئيس، ويدمر سبل عيش من يعتمدون على مصائد الأسماك، ويفاقم الوضع الإنساني الحرج أصلاً في اليمن".. مشددًا على وجوب العمل "لتجنب حصول ذلك".
تُعد الناقلة المحملة بأكثر من مليون برميل من النفط الخام بمثابة قنبلة موقوتة على الساحل اليمني؛ إذ لم تجر عليها أي أعمال صيانة منذ نحو 7 سنوات بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية، فهي مهددة بالغرق أو الانفجار في أي لحظة، بعد أن تسربت المياه إلى غرفة المحرك، وتآكل هيكلها من جراء ملوحة المياه والحرارة، وتقف شاهدة على تقاعس الأمم المتحدة والدول الكبرى في اتخاذ إجراءات أشد صرامة مع الميليشيا الحوثية التي تسيطر على ميناء الحديدة والناقلة المتداعية، وتمنع فرق الإنقاذ من الوصول إليها لمعالجة الأمر قبل وقوع الكارثة.
وتخدم هذه الناقلة منذ 45 عامًا، وكانت تعمل كمنصة تخزين عائمة وتوجد في ميناء رأس عيسى في الحديدة، وتتصل بخط أنابيب في قاع البحر يبلغ طوله ٧ كيلومترات، حيث كانت تستخدمها شركة صافر الحكومية للاستكشاف والإنتاج لتخزين وتصدير النفط، قبل أن يتوقف كل ذلك بعد الانقلاب الحوثي.
وكان من المفترض إحالتها إلى التقاعد قبل نحو عقدين من الآن، إلا أنها ما زالت ترسو على بعد 5 أميال قبالة ميناء الحديدة، وتهدد بوقوع كارثة بيئية ضخمة في حال انفجارها، أو تسرب نفطها إلى مياه البحر الأحمر، وهو الأمر الذي قد تتأثر به -لا قدر الله- السعودية، ومصر، والأردن، والسودان، وإريتريا، والصومال، واليمن بطبيعة الحال، فضلاً عن تعطل الملاحة البحرية في قناة السويس، وباب المندب، والبحر الأحمر، إضافة إلى الأضرار المادية والاقتصادية والبشرية الهائلة المتوقعة.
وتتعرض حاليًا الناقلة العملاقة صافر لتحلل سريع، وهي غير مستقرة وتحتوي على أربعة أضعاف كمية النفط الذي تسرّب في كارثة الناقلة إكسون- فالديز، والذي تسبب بكارثة بيئية هائلة قبالة سواحل ألاسكا عام 1989.
وهذه الكمية الهائلة من النفط في "صافر" معرّضة للتسرّب أو الانسكاب أو الانفجار في أي وقت، مما يعطل إلى حد كبير طرق الشحن في منطقة الخليج والصناعات الأخرى عبر منطقة البحر الأحمر، ويكون السبب في كارثة بيئية هائلة، ويزيد من حدّة الأزمة الإنسانية في اليمن.
وبحسب خبراء دوليين، فإن تسرب ملايين اللترات من النفط في البحر الأحمر سيشكل أكبر كارثة بيئية في العالم، فذلك يعني تهديد مئات الآلاف من الأسماك والطيور بالانقراض، فضلاً عن دمار مساحات شاسعة من الشعاب المرجانية في البحر الأحمر؛ نتيجة التلوث الخطير.
كما أن هذا الخطر المحدق يهدد الحياة في محافظة الحديدة، وأعمال نحو 100 ألف صياد يمني يكسبون قوتهم من أعمال الصيد في المنطقة التي يشكل البحر لها حياة، كذلك يهدد عمل محطات التحلية وإمدادات المياه، كما ستخسر البلاد القيمة المادية لذلك النفط المهدر.
إضافة إلى ذلك فإن الخطر الذي تشكله الناقلة سيجعل من ميناء الحديدة غير صالح للاستخدام لعقود طويلة، وهو ما يبقي الشعب اليمني من دون إمدادات ومساعدات إنسانية، وستنقطع كل أشكال الواردات بطبيعة الحال، فضلاً عن الكوارث الأخرى التي سيحدثها لدول المنطقة المحيطة.