الإرهاب لا يعرف ديناً ولا ملة ولا لغة سوى لغة الدم والتفجير والقتل والبطش، والإرهابيون لا غاية لهم إلا سفك الدماء وترويع الآمنين ونشر الرعب في المواقع التي يتواجدون فيها؛ حتى يتمكنوا من فرض سيطرتهم عليها وعلى مَن فيها، وهذا ما دأبت عليه الجماعات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم.
البعض يقف من هذا الإرهاب موقفاً شاذاً؛ فهو يترك أسبابه، ودوافعه، والجهات التي تقف خلفه، وكيفية تنفيذه، ومَن ساعد على القيام به، ويتجاهل الأسلوب الإجرامي الذي تمت به تلك العمليات الإرهابية القذرة؛ ليركز فقط على الضحايا والأرواح البريئة التي أُزهقت، ويسعى لمعرفة التفاصيل المتعلقة بكل ضحية، والتحقيق في سبب وجودها في مكان الحادث، والأسباب المحتملة التي أدت إلى تعرضها لذلك الإجرام في ذلك المكان؛ مما أدى إلى وفاتها.
مؤخراً، وعقب الجريمة الإرهابية النكراء التي وقعت في إسطانبول وذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء من عدد من دول العالم ومِن ضمنهم ضحايا أبرياء من أبناء وبنات هذا الوطن، تَفَرّغ بعض أفراد المجتمع لدينا للبحث خلف أسباب وجود أولئك الضحايا في ذلك المكان، وعَمِد البعض إلى الدخول في تفاصيل تحديد موقع الجريمة وطرح استفسارات أقل ما يمكن أن توصف به أنها استفسارات غير مقبولة؛ خصوصاً ما يتعلق بهوية المكان الذي وقعت فيه الجريمة البشعة، والسؤال ما إذا كان ذلك المكان ملهى ليلياً أم مطعماً مشهوراً؟ وماذا يقدم من مشروبات وخدمات؟ وغيرها من الأسئلة التي وصلت إلى تحديد نوايا الضحايا، وأسباب وجودهم في ذلك المكان، وصلة القرابة بينهم وبين غيرهم من الضحايا في المطعم؛ بل تمادى البعض لما هو أبعد من ذلك ليشير من طرف خفي إلى أن هذه عاقبة الوجود في مثل هذه الأماكن دون أي تقدير أو إحساس بمشاعر ذوي الموتى -رحمهم الله- داعين الله أن يحسن ختامهم.
مع الأسف الشديد فإن بعض أفراد المجتمع -وخصوصاً ممن يفترض في بعضهم أن يكونوا قدوات- أصبحوا لا يحترمون ولا يقدّرون أي مشاعر أو أحاسيس لا للموتى ولا لذويهم؛ فبدلاً من الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ولأهلهم بالصبر والسلوان، عَمِد البعض إلى الهمز واللمز والاستغفار من سوء المآل وكأنهم -والعياذ بالله- يقسمون رحمة الله بناء على تحليلاتهم، ويحكمون على الموتى بجنة أو نار ويكشفون عن نوايا من ماتوا.
هؤلاء موتى قد رحلوا عن الدنيا وهم اليوم بين يدي أرحم الراحمين؛ فيجب أن نحترم مكانتهم، وأن نسأل الله أن يغفر لهم ولجميع موتى المسلمين الذين اغتالتهم يد الإرهاب، وأن يجعل مثواهم الجنة، وأن يُلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأن يصلح أحوال المجتمع ويلهمنا الصواب في القول والعمل.