هل لدينا إعلام مختص بالطيران في المملكة؟ وهل وجوده ضروري؟
الإجابة الأولى هي: لا "بكل أسف" أما الإجابة الثانية فهي "بكل تأكيد": نعم!
وحينما أقول: "إعلام الطيران" لا أعني ما ينقل من معلومات مجرّدة أو أخبار عاديّة، أو تغطيات سطحية تتعامل مع سوق الطيران كما تتعامل مع سوق الخضار، بل أقصد ما يتجاوز ذلك إلى الطرح العميق والناضج لقضايا هذا المجال الحيوي، من ناحية تحليل ما وراء أخباره، واستخلاص تجارب رواده، واستثمار نتاج مناسباته، ورصد تداعيات أحداثه، وقراءة مستقبل نموه.
عادةً ينقسم الإعلام المتخصص بالطيران إلى قسمين: رسمي، وغير رسمي.
الرسمي هو: ما يصدر عن جهات معنية، سواء جهات حكومية أم شركات، ويتمثل هذا غالباً بمجلات شهرية يتخذ طرحها شكلين: إما التركيز على الموضوعات الترفيهية الخفيفة والسياحية "بهدف التسلية والسعي لجلب الإعلانات"، كما في مجلات الشركات الناقلة، أو التركيز على الموضوعات التخصصية البحتة كمجلات محكمة تخاطب المختصين فقط، كما في مجلة الطيران المدني، بالتالي يغيب الطرح الصحفي المعتاد بشموليته المنوّعة وشكله التقليدي ولغته البيضاء، وهو ما أعنيه بالعنوان.
"وعلى ذكر" مجلة الطيران المدني، تحدثت قبل عامين مع الزميل "وائل السرحان"، "حينما كان مساعد رئيس الطيران للاتصال المؤسسي" حولها، وهي مجلة ربع سنوية جميلة، لكنها مظلومة باستمرار، ظلت تكبر دون تطوير حقيقي أو توظيف جيد. فكان جوابه أنهم وضعوا خطة لتطويرها.. لا أعرف ماذا حصل بعد ذلك؛ لأنها لا تصل لموظفي الطيران المدني ولا غيرهم، وأتمنى أن تحظى باهتمام الزميل النشط "باسم السلوم" إنْ كانت لا تزال تصدر.
أعود للموضوع: فقد كانت مقالات "الدكتور سعد الأحمد" تسد ثغرة في الطرح الصحفي النقدي لقضايا الطيران، لكنه توقف عن الكتابة، ومع وجود مقالات الكابتن "غسان حامد عمر" لاحقًا في صحيفة المدينة، وبعض الكتّاب؛ إلا أن معظم المقالات تطغى عليها التجربة الذاتية أكثر من الفضاء العام.. أيضاً تُقدم السوشيال ميديا بعض المميزين مثل الكابتن "سليمان الصالح" بطرحه الممتع، وبعض الحسابات الجيدة مثل "عشاق الطيران"، لكن ما ينشر يظل بعيدًا عن أسس العمل الصحفي وضوابطه ومتطلباته.
في هذا الإطار كنت قد اتفقت قبل خمس سنوات مع صحيفة الوطن على إصدار ملحق أسبوعي مختص بالطيران، ثم أخبرني الزميل "طلال آل الشيخ"ـ رئيس التحرير آنذاك، أن مؤسسة عسير صرفت النظر عن الموضوع؛ لأنها قررت إيقاف جميع الملاحق الصادرة عنها، بعد ذلك فكرت أن تكون صفحة أسبوعية، وحاولت مع الرياض غير أن إدارة التحرير لم يتقبلوا الفكرة، وكذلك عكاظ والجزيرة!!
بل إن بعضهم برروا الرفض بأن لديهم صفحات مختصة بالسفر والسياحة؛ الأمر الذي يعكس جهلًا فاقعًا بماهية مجال الطيران وأهميته!
الآن، لو ذهبت لإحدى الولايات الأمريكية أو كندا أو الدول الأوروبية لوجدت عشرات المجلات الأسبوعية والشهرية والدورية المتخصصة بالطيران ولتابعت قامات صحافية متخصصة تطرح وتحلل قضايا الطيران وأحداثه عبر كبرى الشبكات التلفزيونية العريقة وكبريات الصحف في حضور لافت، ولعرفت أن الفارق بيننا وبينهم لا يزال كبيرًا جداً!
الطيران في السعودية يشهد قفزة تاريخية وتطورًا هائلًا، ووجود الإعلام دائماً ضروري لنقد السلبيات وإنصاف الإيجابيات، لكن وجوده ينبغي أن يكون بشكله الحقيقي السليم حتى يؤدي دوره الحقيقي السليم.