لم يعد خافياً على المتابع الحصيف، ما تمارسه منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) من أدلجةٍ وتسييس لحقوق الإنسان، وانتقائيةٍ ظاهرة لقضاياها. فقد أصبحت منظمة أيديولوجية وسياسية بامتياز! إذْ لا تجد لها تقريراً أو بياناً أو منشوراً، إلا وتنبعث منه رائحة الاعتبارات السياسية، والأحادية الثقافية في الوقت الذي ينبغي عليها أن تلتزم بتعزيز وحماية حقوق الإنسان وفقاً للمعايير للدولية وقيمها الأساسية المتضمنة عدم تبني أي قضايا سياسية. وقد كنا في السابق، نلتمس لها العذر عندما تدخل في حيَّز السياسة للارتباط الوثيق بين السياسة وحقوق الإنسان، ولكن تبين أن هذا ليس دخولاً وإنما تدخلاً بمحض إرادتها (ربما إرادة غيرها)، وتسييساً مفضوحاً لقضايا حقوق الإنسان التي تتناولها.
إن المتتبع لمواقف (هيومن رايتس ووتش) سيخلص إلى مئات الشواهد التي تثبت – بجلاء - عدم موضوعية هذه المنظمة، وأنها – إنصافاً – تهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان حتى تعترض هذا الهدف أيديولوجيات رعاتها أو بعض المواقف السياسية، عندئذ ستصبح حقوق الإنسان وسيلة لا غاية. ولسنا ببعيد عن الانتهاكات الصارخة والجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها
الولايات المتحدة في إطار ما يسمى (الحرب على الإرهاب) بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وموقف المنظمة المخيب للآمال، إذْ اكتفت بالمناشدة على استحياء، واتجهت تدين –بشدة -انتهاكات حقوق الإنسان في أصقاعٍ أخرى من الأرض، ما دفع الكثيرين إلى اتهامها بأنها تسعى لصرف الأنظار عن تلك الانتهاكات المروعة.
مثال حي آخر، يبرز في مطالبة هذه المنظمة ومنظمة العفو الدولية
(أمنستي)؛ بتعليق عضوية المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بذريعة انتهاكها للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في حين أنهما لم تطالبا بفصل النظام السوري من الهيئة بموجب المادة (6) من ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة للدول التي تمارس أبشع انتهاكات حقوق الإنسان، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة بشكلٍ علني كإسرائيل، وإيران ونحوها.
إضافة إلى ذلك، فإن ملاحظة انحياز المنظمة للانقلابيين (المخلوع صالح، وميليشيات الحوثي) في اليمن؛ لا تستوجب الكثير من العناء، فمن يتصفح تقاريرها وبياناتها بشأن الأوضاع في اليمن، سيلحظ أن أسطر تلك التقارير والبيانات غير قادرة على إخفاء هذا الانحياز.
والجدير بالذكر أن منظمة العفو الدولية قد شككت – تعريضاً
-في أحد تقاريرها السابقة التي تناولت حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية في نزاهة هيومن رايتس ووتش، عندما ذكرت أن المملكة لم تسمح لها بالزيارة في الوقت الذي سمحت فيه لهيومن رايتس ووتش التي تتخذ من نيويورك مقراً لها بزيارتها.
كما أن هذه المنظمة، رغم حصولها على المركز الاستشاري الذي يمكنها من المشاركة في أعمال آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ووكالاتها المتخصصة، تتبنى مواقف الدول الغربية إزاء بعض المسائل، رغم أن تلك مواقف أحادية ومتعارضة إلى حد التضاد مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، تتبنى المنظمة موقف الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تجاه حرية الرأي والتعبير، بمطالباتها الصريحة والجريئة بإطلاقها وعدم تقييدها، واعتبار كل سجين أدين بفعل مجرم يتعلق بحرية الرأي والتعبير
سجين رأي، حتى وإن كان يدعو للحرب والعنصرية والكراهية، في حين أن المعايير الدولية قيدت حرية الرأي والتعبير بما يكفل احترام حقوق الغير أو سمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، وحظر أي دعوة للحرب، والكراهية القومية أو العرقية أو الدينية تكون تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف (المادتان 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية). كما أن هيومن رايتس ووتش من أشد مناصري ما يعرف بحقوق المثليين ومغايري الجنس (LGBTI Rights)
إلى جانب الدول الغربية، وهو مفهومٌ أحادي طارئ لا يجد له أساساً
معيارياً في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان، فضلاً عن أنه يتضاد مع الخاصيات الدينية والثقافية لكثيرٍ من البلدان. وبالرغم من ذلك، فهناك سعي حثيث ترعاه الدول الغربية وعدد من المنظمات من بينها هذه المنظمة، لإسباغ الصفة القانونية على هذا المفهوم في إطار المنتظم الدولي.
لعل من الأسباب التي نحت بالمنظمة إلى حيز التسييس والانتقائية أيضاً، وجود أشخاص من بين منسوبيها الذين يقارب عددهم (400) موظف، لديهم أجندات أيديولوجية وسياسية، ومواقف شخصية من بعض الدول – كما أُثير في مواضع عديدة – ، ومن ذلك ما أثاره المندوب الوزاري المغربي محجوب الهيبه وهو خبير سابق في لجنة حقوق الإنسان (لجنة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)؛ تعليقاً على تقرير هيومن رايتس ووتش بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين بتندوف جنوب الجزائر، الذي اعترف – ضمناً - بجبهة البوليساريو كدولة قائمة، وأخلى مسؤولية الجزائر كبلد مستقبل، حيث أرجع الهيبه عدم موضوعية التقرير إلى عددٍ من الأسباب منها وجود شخص في فريق التحقيق ينتسب إلى تنظيم تابع للبوليساريو. ولعله من السهل متابعة ما ينشره منسوبو هذه المنظمة على موقع "تويتر" من تغريدات تثبت أن لديهم أجندات فكرية وسياسية ومواقف مسبقة من الدول.