تركت قصائد الشاعر الراحل مساعد الرشيدي أثراً واضحاً في جمهور الشعر ومحبيه في المملكة وخارجها، الذين رأوا في شاعرهم على مدى عقود طويلة، فارساً مغواراً، يمتطي صهوة جواد الشعر، سلاحه العشق والكلمة الرقيقة، ودرعه المعنى القوي والخيال.
فقد ترك نتاج "الرشيدي" حالة من الخيال الإبداعي المستمر في نفوس كل من استمع إليه، صغيراً كان أم كبيراً، ليس لسبب سوى أن قصائده انغمست في بحر من الإبداع والتركيبات اللغوية الفريدة، التي وظّفها خير توظيف، لإيصال أفكاره -شعراً- إلى محبّيه.
ونعى الوسط الشعري والثقافي في المملكة مساعد الرشيدي، الذي رحل عن عالمنا اليوم، بعد معاناة مع المرض في الفترة الماضية، دخل على إثرها مستشفى مدينة الملك عبدالعزيز الطبية في الحرس الوطني.
ونزل الخبر الذي بثّه مقربون من الشاعر، كالصاعقة على محبيه، وسارع صديقه المقرب الشاعر فهد عافت إلى رثائه بقوله: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون.. إلى جنّةٍ عرضها السماوات والأرض يا صاحب عمري.. يا مساعد الرشيدي. اللهم ارحمه واغفر له واعفُ عنه وأسكنه جنتك".
ونشر نجله فيصل مساعد الرشيدي تغريدة، أعلن فيها عن وفاة والده عبر موقع "تويتر"، وكتب: "أنا لله وإنا إليه راجعون.. رحمك الله يا والدي، الحمدلله على كل حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
ويُعتبر مساعد الرشيدي، الذي كتب الشعر وعمره 13 سنة، أحد أهم شعراء القصيدة المحكية في منطقة الخليج، وصاحب تجربة ثرية، امتدّت لأكثر من 3 عقود؛ حيث تألّق في قرض الشعر الحديث، ونجح في تغيير ما هو سائد في زمن ما قبل "مساعد"، الذي عُرف بميله إلى الصمت، لكن ما أن يخرج من صمته، حتى يقبل كالأعصار، ليتحف محبيه بأجمل القصائد، فتتسابق وسائل الإعلام لنشرها، ويتميز شِعره بقوة المعنى، واختيار الأوزان الشعرية القوية القافية والموسيقى الداخلية المعبرة.
وُلد "مساعد" في محافظة "خيبر" عام 1962، وقضى أول فترات طفولته في الكويت، ودرس الابتدائية والمتوسطة في مدينة أبها، وتخرج بإحدى ثانويات خميس مشيط، والْتحق بالحرس الوطني، ووصل إلى رتبة عميد، ونشأ في عائلة معروفة بميولها الشعرية، فأمه كانت شاعرة وعمه أيضاً باستثناء والده، الذي لاحظ ميول ابنه الفنية، فنصحه بعدم قراءة الشعر، إلا أن الفطرة الشعرية لديه كانت قوية، ولدى "الرشيدي" من الأبناء ستة، نصفهم بنات، ونصفهم ذكور.
وفي لقاء صحفي، سُئل الأمير بدر بن عبدالمحسن عن أفضل شاعر، فذكر "مساعد الرشيدي"، ومن هنا انطلق نجم مساعد الرشيدي يظهر، إلى أن أصبح أهم شعراء جيله في السعودية والخليج.
وله دواوين عدة، ولكن أشهرها ديوان "سيف العشق"، وغنى له عدد من كبار الفنانين، أمثال فنان العرب محمد عبده، ورابح صقر، وعبدالمجيد عبدالله، وعباس إبراهيم، ومحمد المازم، ومحمد المسباح، وأحمد الجميري، ومحمد السليمان وآخرون. وبلغت ذروة مجد مساعد الرشيدي في كتابته لأوبريت الجنادرية، حيث غلبت على أشعاره في هذه المناسبة الوطنية المهمة، بساطة الكلمة وقوة المعنى.
ولـ"الرشيدي" الكثير من القصائد القديمة التي لم ترَ الشمس، ولم تخلُ قصائده من الحزن العميق، الممزوج بالكبرياء والشموخ في آن واحد. ويندر أن تجد قصيدة من قصائد مساعد، لا يتحدث فيها عن الجرح، ومن قصائده في هذا الاتجاه، قصيدة تقول:
ينجرح قلب لكن ترتفع هامه
والله إني لموت ولا انحنى راسي
لو رماني زماني وسط دوامة
العواصف شديدة والجبل راسي
ورغم وجوده في مدينة الرياض، إلا أنه لم ينسَ معشوقته الجنوب، فيقول:
تذكرين الغلا والصيف والسودة
لمة البرق والخلان والراعد
تذكرين القصيد وسلهمة سودة
واحد كان ما مثله ولا واحد
وعقدت لـ"مساعد" الكثير من الأمسيات سواء داخل الوطن أو خارجه، ففي داخل المملكة كانت له أمسيات في بريدة وحائل والمجمعة وأبها... وغيرها من المدن، وخارج المملكة كثير، إحداها كانت الأمسية في الكويت. كما تم استضافته في أكثر من برنامج، وأجريت له لقاءات صحفية.
وابتعث "الرشيدي" لمدة سنة إلى أمريكا، وهناك تذكّر الوطن والأهل، فكتب قصيدته المشهورة:
حزين من الشتاء ولا حزين من الضمأ يا طير
دخيل الريشتين اللي تضفك حل عن عيني
ثم عاد إلى الوطن ليكتب قصيدته "الكنة":
عذب السجايا وعوده بأول الكنة
متى تزين السوالف واخذ علومه
وأسامحه عن خطاة الجرح والونه
وأعاتبه لو يصد شوي وألومه
رحم الله الشاعر مساعد الرشيدي، وأسكنه فسيح جناته.