يا نزاهة.. ما أطولك ليل!!

يا نزاهة.. ما أطولك ليل!!
تم النشر في

ما زلنا نتابع الهزات الارتدادية لزلزال تعيين ابن وزير الخدمة المدنية في وظيفة بالوزارة بعد توليه المنصب. وهذا هو لب القصيد يا نزاهة؛ فقد كان السؤال الأول المتوقَّع منكم الإجابة عنه أمام الرأي العام هو: هل عُيِّن هذا الابن من قِبل والده قبل أم بعد توليه المنصب؟ والإجابة عن هذا التساؤل لا تحتاج لأكثر من الاطلاع على صورة من قرار التعيين وخطاب المباشرة للوظيفة، بغض النظر عن راتبها؛ فالوظيفة متى شُغلت سوف يُستوفَى راتبها المقرر لها عند إحداثها كوظيفة.

ولكن لماذا شطحت نزاهة بهذا الموضوع، وجعلت منه ملفًّا معقدًا، وأشبه ما يكون بقضية كبرى منظورة لديها، وتحتاج لوقت وجهد حتى يتم إقرار نظاميتها من عدمها؟

أقتبس من رد المتحدث الرسمي لنزاهة، إذ يقول: "إن ما نُشر عن توظيف ابن أحد الوزراء بطريقة غير نظامية ليس صحيحًا كله". وأستغرب كل الاستغراب؛ لماذا يُبنى الفعل للمجهول؛ فالكل يعرف من هو الوزير؟ فلماذا الحديث بصيغة المجهول، وما علاقة نزاهة بما نُشر؟ فهل تحركت نزاهة نتيجة ما نُشر أم نتيجة بلاغ خطي أو هاتفي؛ ما حملها على البدء في التحقيق والتحقق من البلاغ، وتأكيده أو نفيه؟ أما ما يُنشر فيا ليت لنزاهة أن تباشر معظم ما يُنشر من مخالفات.. ولو أخذت نزاهة بذلك لكان لها شأن آخر، ولكن تمسكها بالبيروقراطية في التعامل مع البلاغات هو ما جعل معظم المواطنين يزهدون في التعامل معها، بل إن عبارة "ليس من اختصاصنا" هي من ابتكارات نزاهة في الرد على معظم البلاغات التي تردها، وبدون مبررات تذكر.

وأنتقل لاقتباس آخر للمتحدث باسم نزاهة؛ إذ أضاف "هذه الإجراءات الجارية تحتاج لشيء من الوقت ليس بالطويل؛ لأن هناك محاضر وإجراء مقابلات واستعراض مؤهلات.. وكل هذه الإجراءات تستلزم أن تستكملها الهيئة؛ لتعطي وجهة نظرها حيال هذا الموضوع".

وأترك لكم التعليق على ما ورد في هذا الاقتباس. بالله عليكم، ما الذي يتطلبه استعراض مؤهلات متقدم لوظيفة للوقوف على أهليته لها من عدمها؟ وما هي المحاضر والإجراءات والمقابلات التي تحتاج إليها نزاهة لكي تقف على سؤال بسيط: هل عُيّن هذا الموظف قبل أم بعد استلام والده منصبه؟؟ بهذه البساطة، هل الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى أن يطمئننا المتحدث باسم نزاهة بأن الأمر لن يطول؟ أعتقد أن نزاهة ابتكرت مقياسًا جديدًا للوقت، ها هي تعلنه، وعلينا أن نتعود على سماعه. هذا المقياس يعرف بـ"لن يطول".. فقد يكون يومًا، وقد يكون سنة، أو غير ذلك. والله إنني حمدت الله أن معالجة أوراق القبول للطلبة والطالبات في الجامعات السعودية لا تمر في إحدى مراحلها عبر نزاهة، وإلا لما عُيّن أحد من أبنائنا إلا بعد مرور سنين، ستطول وتطول، وربما لا يُعيَّن.

يا نزاهة، والله لقد مللنا هذا الأسلوب في التعاطي مع هذه القضايا التي تمثل لب الفساد الإداري الذي أنتم معنيين بوضع حل له، بل القضاء عليه نهائيًّا. والشيء نفسه ينطبق على الفساد المالي، ولكن لماذا تجعلون من أداء عملكم معضلة في وجه صاحب الشكوى؟ لماذا تنتهجون البيروقراطية في التعامل مع الشكاوى التي ترد إليكم وأنتم تعلمون أنها هي من أدوات الفساد الإداري الجاثم على معظم آليات العمل في دوائرنا العامة، والمعطل الأول لمصالح المواطنين؟ ألا تعلمون أن ما يعطل معظم مشاريعنا المماطلات من قِبل بعض الجهات الحكومية للمقاولين؛ ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى توقُّف المشروع أو جزء منه؟ ألا تعلمون أننا استطعنا أن نقضي على العمالة السائبة، ولم نستطع أن نقضي حتى اليوم على البضائع المقلدة، التي فتكت بالأرواح، وما زالت؟ أليس دخولها عبر المنافذ الجمركية ووصولها للأسواق، والأهم من ذلك بيعها، هو جريمة فساد بحد ذاته، فأين أنتم من ذلك؟ .

إننا ما زلنا نصيح بأعلى صوت: ماذا صنعتم حيال الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد؟ لماذا ما زالت حبيسة الأدراج، ومستعد لمناقشتها معكم مادة مادة؛ لكي أثبت لكم أنكم بعيدون كل البُعد عنها؟ ألم تنص الاستراتيجية صراحة على رفع مستوى دخل المواطن المحتاج؟ فماذا قدمت نزاهة حيال ذلك؟ لا شيء، وهناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا الخصوص. كم كنت أتمنى أن تبادر نزاهة كمبادرة منها في رؤية التحول الوطني 2030 بدراسة الأنظمة الإدارية، وآليات التعامل مع المال العام، ووجوه صرفه.. فهذا من لب عملها، وتحديد مَواطن الفساد التي تنخر في النظم الإدارية، وتعطل مصالح المواطنين، وتقف بنفسها على مَواطن الفساد المالي الذي لا يشك أحد بوجوده عبر ممارسات كثيرة؟! ولكن نجد نزاهة تحصر نفسها في بلاغات، وتتعامل معها بطرق تحتاج إلى إصلاح؛ لتكون أكثر سرعة وفعالية مما هي عليه الآن.. فهل نرى نزاهة تمارس دورها الإصلاحي بشكل أكثر عملية وعلمية، وتخطو بأسرع مما هي عليه الآن؛ حتى لا يترسخ في أذهاننا أن عملها لا يتعدى تلك اللوحات التي تمازحنا بها على الطرق بعبارات مستفزة ونحن مسافرون أو قادمون؟!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org