هل قامت نساء الشورى بكل أو معظم ما هو متوقَّع منهن تجاه المرأة؟
أعتقد أن هذا السؤال مشروع، ومن حق كل نساء الوطن طرحه بكل جرأة، ولا أجد غضاضة في طرحه نيابة عنهن.
سوف أقسو بعض الشيء عليكن، ولكن من باب الحرص والعشم في تبني ملفات تخص المرأة، وهي على درجة كبيرة من الأهمية؛ ما يؤهلها لأن تكون من أولويات المواضيع التي يجب أن تُطرح للنقاش في المجلس، ولكن إذا لم تتحركن وتتلمسن مشاكل بنات جنسكن فمن يا ترى سيقوم بهذه المهمة؟
واليوم، وبعد مباشرة المرشحين والمرشحات للمجالس البلدية في جميع أرجاء الوطن الغالي لمهام أعمالهم، ترى ماذا أعددتن لبنات جنسكن من ملفات؟
لقد فرضت المرأة السعودية نفسها على جميع المستويات الداخلية والإقليمية، وحتى الدولية؛ ذلك أنها استطاعت أن تمارس أدواراً متعددة، وأن تشكّل رقماً صعباً في جميع خطط التنمية التي نفذتها الدولة، ولم يكن طريقها مفروشاً بالرياحين، ولكنها استطاعت أن تتجاوز كل المعوقات حتى أصبحت اليوم عنصراً مهماً، يُشار له بالبنان في كل محفل ومشاركة بفعالية في بناء المجتمع، مع الاستمرار بقيامها بدور الأم والمربية للأجيال الواعدة القادمة - بإذن الله -؛ الأمر الذي يسير ويتناغم مع طبيعتها التي خلقها الله عليها.
وعلى الجانب الآخر نجد هناك بطئاً شديداً في النهوض بحقوق المرأة التي كفلها لها الإسلام نتيجة غياب نظام إجرائي واضح، يستطيع أن يفعل الكثير من التسهيلات التي من شأنها أن تحقق للمرأة العدالة الكاملة في الحصول على حقوقها. وكنت ممن عول كثيراً على صعود المرأة لمجلس الشورى، وتبوئها مكانة تمكنها من العمل بجد على العديد من الملفات التي تهم المرأة، ولا تكتفي بالجلوس على المقاعد، والاكتفاء بالإنصات. وعلى رأسها ضمان إيصال صوتها عالياً وبكل طمأنينة وبأسهل الطرق، مع ضمان التجاوب الفوري، وعدم المماطلة أو الوقوف بشكل يوحي بأنها الجانب الأضعف في التقاضي أمام الرجل، متى ما وقع عليها ظلم زوج أو ابن أو حتى أب، ولكن - للأسف - شيئاً من ذلك لم يحدث.
وأدلل على كلامي باستمرار شكوى وتذمر النساء نتيجة الظلم الزوجي أو العائلي لدرجة أن بعضهن قضين السنين الطوال في معاناة انتظار الأزواج الغائبين عن بيوتهم بالأسابيع والأشهر نتيجة الإدمان أو رفقة السوء، في سبيل المحافظة على البيت، وعدم تشرد وضياع الأبناء. أليس من حق جميع النساء اللاتي يعشن في ظروف كهذه أن ينصفن من هؤلاء الأزواج الظلمة؟ فأين أنتن منهن؟
يا ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل تجد هذه المرأة الكريمة نفسها أمام مصيبة أكبر بفعل هذا الزوج المنحرف، حين تصدم بفصله من عمله نتيجة سلوكه المشين الذي أوصله إليه إدمانه؛ فتتحول إلى ولية أمر لهذا الضال عن جادة الصواب، وبين أعين أبنائها التي ترمقها من بعيد، وتقول لها بكل حرقة: أماه.. أماه.. لا تتركينا وتغيبي؛ فنحن اليوم في أمسّ الحاجة لك من أي وقت مضى، لا تتركينا نواجه المجهول مع أب غائب عن العالم الطبيعي. وهنا يبدأ هذا الموتور في استغلال الموقف ليبتز هذه المغلوبة على أمرها، ويطلب منها المال، وإلا فالثمن حرمانها من أولادها، فترضخ مكرهة حباً وتضحية من أجل الأولاد، ولكن قد يمتد هذا الوضع لسنين طويلة، وقد يتمادى هذا الزوج وقد أمن العقاب بمعاملة هذه الصامدة المناضلة بكل قسوة، وبدون رحمة، وقد يهجرها هجراً مريراً لاهثاً خلف أهوائه وقرناء السوء. فما ذنبها أن تواجه هذا الموت البطيء أمام أنظمة بيروقراطية، تحول بينها وبين إنصافها من هذا الوحش الكاسر؟
إنني أرى، وخصوصاً بعد تعيين المرأة في مجلس الشورى وترشحها للانتخابات البلدية، الحاجة ملحة لتفعيل دور العمد في الأحياء، بحيث يكون لهم مكاتب وأوقات عمل محددة بفترات، وملزمة للعمدة بأن يكون موجوداً هو أو من ينيب لقضاء حاجات الناس التي تتطلب وجوده، مثل حالات الوفاة أو غير ذلك من حالات، كتلقي الشكاوى والمقترحات. وأدعو لتأسيس مراكز نسوية في كل حي مرتبطة بمكاتب العمد، تديرها موظفات مؤهلات لاستقبال النساء من أصحاب الشكاوى والحاجات. وحبذا لو كان هناك أخصائيات اجتماعيات بحيث تذهب المرأة صاحبة المشكلة، أو مَن تنيب إن كانت من كبار السن، بكل اطمئنان إلى المركز، وتدلي بشكواها أياً كانت، ومن ثم يعد ملف بذلك، وتوجَّه للجهة المعنية بشكل رسمي؛ فنضمن للمرأة صاحبة الشكوى السرية والخصوصية، ومن ثم نوفر عليها جهد وعناء الذهاب والسؤال، ومن ثم يمكن لها أن تتواصل مع المركز هاتفياً لحين الاستجابة لطلبها أو إنهاء معاناتها وقضاء حاجتها التي يجب أن تتم بأسرع وقت ممكن، وبدون تعطيل أو مماطلة. وبذلك نكون قد فعّلنا دور المرأة في المجالس البلدية بشكل يعود بالنفع على بنات جنسها، وساهمنا - بإذن الله - في وضع حد لمعاناة الآلاف من النساء اللاتي يعانين ويقفن عاجزات عن نيل حقوقهن، إما لجهلهن بالأنظمة أو لصعوبة وطول الإجراءات؛ ما يجعلهن يزهدهن في المطالبة بتلك الحقوق.
وملف آخر لا يقل أهمية، أحيله بالكامل لكنَّ يا نساء الشورى والمجالس البلدية، هو حل مشكلة المطلقات المعيلات لأطفال من خلال ضمان وصول الراتب أو النفقة لهن في وقتها المحدد، وبدون تعطيل، ومنح الأرملة الحق في الحصول على راتب زوجها التقاعدي بالكامل؛ حتى يساعدها على تجاوز ظروف الحياة، ويوفر لأبنائها حياة كريمة، إضافة إلى وضع أسمائهن على أولوية قائمة المستحقين لتملك المساكن، وتوفير الرعاية الصحية المجانية لهنّ ولمن يَعُلن، من خلال إقرار نظام تأمين صحي يشملهن وأبناءهن. ولعمري، لو تحقق ذلك لكان أكبر إنجاز تحققه المرأة من خلال عملها في المجالس.
ولا أعتقد أن هناك من يختلف على موضوع النقل المدرسي والجامعي، بوصفه واحداً من أهم المواضيع التي تخص المرأة، وكثر الجدل والنقاش حوله، ولم يُحلّ بشكل نهائي، وما زلنا نستقبل بشكل شبه يومي مآسي حوادث نقل المعلمات على الطرق بشكل مفزع، وما زالت هذه الحوادث تشكل هاجساً، تحوّل مع الأيام لكابوس يؤرق كل الأسر؛ لكثرة ما تطالعنا به الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وتقارير أجهزة المرور من حوادث شنيعة، راح ضحيتها الكثير من المربيات وبنات الوطن العزيزات وهن يؤدين خدمتهن بكل جدارة وشجاعة؛ إذ يغادرن بيوتهن في ساعات مبكرة، قد تسبق شروق الشمس بثلاث ساعات. وعلينا أن نتخيل العودة. وهذا الموضوع لا يمكن أن يحل من خلال اجتهادات يقوم بها بعض المواطنين من خلال توفير سيارات كبيرة، ويكتب عليها عبارة نقل مدرسي وجامعي وموظفات، ويضع رقم جوال مكتوباً بشكل مقروء، وهو النمط السائد لكل ممارسي هذا النشاط، الذي يكتنفه العديد من المخاطر والمآسي التي نشهدها بشكل يومي؛ فمعظم السائقين لا يأخذون قسطهم من النوم؛ وبالتالي ينعكس ذلك على تركيزهم أثناء القيادة التي تمتد أحياناً لمئات الكيلومترات؛ وهو ما ينتهي في الغالب بكارثة، تروح ضحيتها أرواح بريئة. والحل يكمن في وضع حل نهائي لعملية التوظيف أولاً، الذي تضطر فيه المرأة للسفر من أجل وظيفة. وثانياً: إن حكمت الظروف فلا أقل من توفير وسيلة آمنة حكومية بدلاً من ترك الأمور للاجتهاد من قِبل متعهدي النقل الحاليين، وبالشكل البدائي الذي نراه ولا يسر أحداً. وأعتقد أن هذا الأمر يجب أن يكون أولوية لكنّ يا نساء المجالس، ويستحق الدراسة، ووضع التوصيات الجادة، وعدم التراخي أمامه؛ حتى يجد طريقه للحل المُرضي لكنّ.
وماذا عن أخواتكن من ذوات الاحتياجات الخاصة - الله الله بهن - فإن كان ذوو الاحتياجات الخاصة من الرجال يجدون من المعاناة ما الله به عليم، من حيث توفير مكافآت مجزية تعينهم على قضاء حوائجهم، وتوفير متطلبات تسهيل حياتهم باهظة التكاليف، وتقييم نظام الدمج المهين والظالم في المدارس والدراسة في الجامعات وفي التوظيف، وحتى في أسهل الأمور المنصوص عليها عالمياً، مثل المواقف وحق توفير المزالق وعربات خاصة بهم في المتاجر والمستشفيات ومكاتب البريد وما شابهها، بحيث لا يشعر الواحد منهم بأن هناك من يحد من وصوله لخدمة ما أو يسبب له حرجاً وأذى نفسياً بسبب إعاقته، فكيف بالمرأة في ظل ظروف مجتمعية قاسية، لا ترحم من هم بلا إعاقة. وعليه أجد أن فتح ملف كهذا ضرورة حتمية وواجب عليكنّ، ويتطلب إجراء دراسة للوقوف بشكل دقيق على كل المنغصات التي تحد من ممارسة أخواتكن لحياتهن بشكل طبيعي، وخصوصاً موضوع المكافآت المالية المجزية، وتوفير المقررات الدراسية للكفيفات منهن؛ إذ يمثل هذا الأمر معضلة حقيقية، قد تتسبب في تعطيلهن عن مواصلة تعليمهن، والبحث عن الحاجات المستجدة في هذا الشأن؛ فحاجات المرأة ضِعف حاجات الرجل، ومتطلباتها بحاجة إلى وقفة صادقة وجادة، ووضع الحلول ومتابعة تنفيذها من الجهات المعنية وضمان استمراريتها بدون توقف أولوية لا جدال فيها.
وبعد، فهذا ما استطعت حصره في هذه الفسحة من المكان، وإن كنت أعلم أن المطلوب الكثير، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله. أدعو الله أن يبارك لكنّ في عملكن، ويعينكن على تحمُّل أمانة المسؤولية. والله من وراء القصد.